أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف: 100] ولم يقل: أخرجني من الجب حفظا للأدب مع إخوته وتفتيا عليهم: أن لا يخجلهم بما جرى في الجب وقال: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} ولم يقل: رفع عنكم جهد الجوع والحاجة أدبا معهم وأضاف ما جرى إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر الذي هو أقرب إليه منه فقال:
{مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} فأعطى الفتوة والكرم والأدب حقه ولهذا لم يكن كمال هذا الخلق إلا للرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
ومن هذا أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجل: أن يستر عورته وإن كان خاليا لا يراه أحد أدبا مع الله على حسب القرب منه وتعظيمه وإجلاله وشدة الحياء منه ومعرفة وقاره.
وقال بعضهم: الزم الأدب ظاهرا وباطنا فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهرا وما أساء أحد الأدب باطنا إلا عوقب باطنا.
وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: «من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن»
«ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض» «ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة»
وقيل: الأدب في العمل علامة قبول العمل وحقيقة الأدب استعمال الخلق الجميل (ولهذا كان الأدب: استخراج ما في الطبيعة من الكمال من القوة إلى الفعل
فإن لله سبحانه هيأ الإنسان لقبول الكمال بما أعطاه من الأهلية والاستعداد التي جعلها فيه كامنة كالنار في الزناد فألهمه ومكنه وعرفه وأرشده وأرسل إليه رسله وأنزل إليه كتبه لاستخراج تلك القوة التي أهله بها لكماله إلى الفعل قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10] فعبر عن خلق النفس بالتسوية والدالة على الاعتدال والتمام ثم أخبر عن قبولها للفجور والتقوى وأن ذلك نالها منه امتحانا واختبارا ثم خص بالفلاح من زكاها فنماها وعلاها ورفعها بآدابه التي أدب بها رسله وأنبياءه وأولياءه وهي التقوى ثم حكم بالشقاء على من دساها فأخفاها وحقرها وصغرها وقمعها بالفجور والله سبحانه وتعالى أعلم.
(منزلة الأدب في الدين:
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
والأدب هو الدين كله فإن ستر العورة من الأدب والوضوء وغسل