وقد يظن ظان أن العفو عن المسيء، والإحسان إليه مع القدرة عليه؛ موجب للذلة والمهانة، وأنه قد يجر إلى تطاول السفهاء. وهذا خطأ؛ فالعفو إسقاط حقك جودًا، وكرمًا، وإحسانًا مع قدرتك على الانتقام، فتؤثر الترك؛ رغبة في الإحسان ومكارم الأخلاق .. بخلاف الذل؛ فإن صاحبه بترك الانتقام عاجزًا، وخوفًا، ومهانة نفس، فهذا غير محمود، بل لعل المنتقم بالحق أحسنُ حالاً منه.

(17) الرضا بالقليل من الناس، وترك مطالبتهم بالمثل: وذلك بأن يأخذ منهم ما سهل عليهم، وطوعت له به أنفسهم سماحة واختيارًا، وألا يحملهم على العنت والمشقة، قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [سورة الأعراف: 199].

(قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في هذه الآية:'أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس'. وقال مجاهد:'يعني خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تخسيس، مثل قبول الأعذار، والعفو، والمساهلة، وترك الاستقصاء في البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم'.

(قال المقنع الكندي- واصفًا حاله مع قومه-:

وأعطيهم مالي إذا كنت واجدًا وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا

(وقال الرافعي رحمه الله:'إن السعادة الإنسانية الصحيحة في العطاء دون الأخذ، وإن الزائفة هي الأخذ دون العطاء، وذلك آخر ما انتهت إليه فلسفة الأخلاق'.

(18) احتساب الأجر عند الله عز وجل: فهذا الأمر من أعظم ما يعين على اكتساب الأخلاق الفاضلة، فهو مما يعين على الصبر، والمجاهدة، وتحمل أذى الناس؛ فإذا أيقن المسلم أن الله سيجزيه على حسن خلقه ومجاهدته؛ سيهون عليه ما يلقاه في ذلك السبيل.

(19) تجنب الجدال: لأن الجدال يذكي العداوة، ويورث الشقاق، ويقود إلى الكذب، ويدعو إلى التشفي من الآخرين. فإذا تجنبه المرء؛ سلم من اللجاج، وحافظ على صفاء قلبه، ثم إن اضطر إلى الجدال؛ فليكن جدالاً هادئًا، يراد به الوصول إلى الحق، وليكن بالتي هي أحسن وأرفق، قال تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [125]} [سورة النحل].

أما إذا لج الخصم في الجدال، وعلا صوته في المجلس؛ فإن السكوت أولى، وإن أفضل طريقة لكسب الجدال؛ حينئذٍ هي تركه، وتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيهما واجعل لهما من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيهما من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (

طور بواسطة نورين ميديا © 2015