والمسلم إذا نقل قلبه من الدنيا فأسكنه في الآخرة وأقبل على القرآن الكريم انفتحت له الأبواب وكان فيمن يستطيع تحمّل هذا الورع، و هناك حلال محضٌ بيّن وحرام محضٌ ومسائل مشتبهة بينهما، فلبس القطن والكتان والصوف والزواج بعقد صحيح وأخذ المال من الميراث أو هبة من إنسان ماله حلال أو شراء شيء ببيع صحيح، أمور الحلال المحض واضحة، وأمور الحرام واضحة كالميتة والدم والخنزير والخمر ونكاح المحارم ولباس الحرير للرجال وأخذ الأموال المغصوبة والمسروقة والغش والرشوة، أما المشتبهات التي ينبغي للمرء المسلم أن يتورّع عنها مثل: ما اختلف في حلّه وحرمته، مثلاً البغل متولّد ما بين الحمير والخيل، جلود السباع ولو كانت مدبوغة، التورّق وهو أن تشتري شيء بالأقساط وتبيعه نقداً لتحصّل سيولة وبعض العلماء لم يجزه مع أن الراجح جوازه لكن المسألة مختلف فيها، ونحو هذا ..
فالحاصل: أن من أسباب الشبهة تنازع العلماء في شيء معين هل هو حلال أو حرام وكل طائفة لهم أدلتهم، ما ترك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلالاً إلا بيّنه ولا حراماً إلا بيّنه ولكن بعض الناس يخفى عليهم بعض الحلال أو بعض الحرام، ويتفاوتون في هذا ومن أسباب اختلاف العلماء فيه أنه ينقل في الشيء نصان أحدهما بالتحليل وأحدهما بالتحريم وقد يكون أحدهما صحيح والآخر ضعيف وأحدها ناسخ والآخر منسوخ فيأخذ كل طائفة من العلماء بنص من النصين فيحدث الاختلاف، أحياناً يكون الشيء فيه أمر فيقول بعضهم هذا للوجوب و بعضهم يقول هذا للاستحباب، والورع هو أن تقوم بهذا الأمر. جاء نهي فقال بعض العلماء النهي للتحريم وقال بعضهم النهي للكراهة والورع أن تتركه.
والعلماء أنفسهم قد تشتبه عليهم أشياء فلا يفتون فيها أو يتوقفون عنها، ومن أمثلة الأشياء المشتبهة ما لا يُعلَم له أصل ملكٍ كما يجده الإنسان في بيته فلا يدري أهو له أم لغيره، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها))، ولكن من جهة التحريم والحل، فالأصل في المال الموجود في بيتك أنه لك، فجانب الحل أقوى، لكن إذا أردت الورع وتصدقت بهذا المال أحسن ..