الأثر الخامس: أن الإخبات يربي المسلم على الخروج من حظ النفس، وعدم الالتفات إلى مدح الناس وذمهم. وذلك أنه متى استقرت قدم العبد في منزلة الإخبات وتمكن فيها، ارتقت همته، وعلت نفسه عن خطفات المدح والذم، فلا يفرح بمدح الناس، ولا يحزن لذمهم. هذا وصف من خرج من حظ نفسه، وصار قلبه مطرحاً لأشعة أنوار الأسماء والصفات، وذاق قلبه حلاوة الإيمان واليقين.
إن الوقوف عند مدح الناس وذمهم، علامة انقطاع القلب وخلوه من الله، وأنه لم تباشره روح محبته ومعرفته، ولم يذق حلاوة التعلق به، والطمأنينة إليه. ولا يذوق العبد حلاوة الإيمان، وطعم الصدق واليقين، حتى تخرج الجاهلية كلها من قلبه.
(يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "والله لو تحقق الناس في هذا الزمان من قلب رجل، لرموه عن قوس واحدة. وقالوا: هذا مبتدع، ومن دعاة البدع، فإلى الله المشتكى، وهو المسئول الصبر والثبات. فلا بد من لقائه". قال تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى} [طه: 61]، وقال تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]
الأثر السادس: أن الإخبات يربي المسلم على عدم الرضا عن النفس، والمداومة على لومها وتأنيبها. والمراد بالنفس هنا، ما كان معلولاً من أوصاف العبد، مذمومًا من أخلاقه وأفعاله، سواء كان ذلك كسبيًّا، أو خلقيًّا. فالمسلم شديد اللائمة لهذه النفس.
قال تعالى: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)} (القيامة) قال سعيد بن جبير وعكرمة: تلوم على الخير والشر، ولا تصبر على السراء ولا على الضراء. وقال مجاهد: تندم على ما فات وتقول: لِمَ فعلت؟، ولمَ لم أفعل؟. وقال الفراء: ليس من نفس برة ولا فاجرة، إلا وهي تلوم نفسها، إن كانت عملت خيرًا قالت: هلا زدت؟ وإن عملت شرًّا قالت: ليتني لم أفعل. وقال الحسن: هي النفس المؤمنة، إن المؤمن ـ والله ـ ما تراه إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمة كذا؟ ما أردت بأكلة كذا؟ ما أردت بكذا؟. وإن الفاجر يمضي قدمًا ولا يحاسب نفسه ولا يعاتبها. وقال مقاتل: هي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله في الدنيا.