كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيراً ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي بأي شيء فضل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة إن كان يصلى آنا نصلى وإن كان يصوم آنا نصوم وإن كان يغزو فآنا نغزو وإن كان يحج آنا لنحج قال فكنا في بعض مسيرتا في طريق الشام ليله نتعشى في بيت إن طفئ السراج فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح فمكث هنيهة ثم جاء بالسراج فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع فقلت في نفسي بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا ولعله حين فقد السراج فصار إلى ظلمه ذكر القيامة.
(سيد البكائين والناس أجمعين حبيبنا محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
لم يكن بكاؤه بشهيق ورفع صوت، ولكن كانت عيناه تدمعان حتى تسيل الدموع، ويسمع لصدره أزيز.
وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبكي عند سماع القرآن:
((حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعبد الله بن مسعود: (اقْرأ عَليَّ القُرْآن، فَإِنِّي أُحبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي) فقرأ عليْهِ من سُورة النِّساء حتّى بلغ قوله: ((فَكَيفَ إِذاَ جِئنَاَ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَاَ بِكَ عَلى هَؤلاء شَهِيدا))، قال: (حَسْبُكَ الآن). فالتفتُ إليه فَإِذَاَ عَيْنَاهُ تَذْرِفَان.
وكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يبكي في الصلاة:
((حديث عبيد بن عمير رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أنه قال لعائشة: أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فسكتت ثم قالت: لمَّا كانت ليلة من الليالي قال: «يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي» قلت: والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهَّر ثم قال يصلِّي، قالت: فلم يزل يبكي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بلّ حِجْره، قالت: وكان جالساً فلم يزل يبكي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يُؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد أُنزلت عليَّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: {إن في خلق السموات والأرض} (سورة آل عمران، الآية: 190).
((حديث عبد الله بن الشخير الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال: أتيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي فسمعت لصدره أزيزاً كأزيز المرجل من البكاء.