[لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ]: يعني يبتليهم بالصيد يغشاهم في رحالهم، يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سراً وجهراً ومحرم عليهم الصيد في الإحرام لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره ومن لا يطيع، أما الصحابة فنجحوا في ذلك، وأما اليهود ففشلوا عندما حرم الله عليهم الصيد يوم السبت فاستحلوا محارم الله بأدنى الحيل، فنصبوا الشباك يوم الجمعة وسحبوها يوم الحد، فلم يخافوا الله فهلكوا. ... فالمرء قد يتعرض أحياناً لمعصية أو شهوة والوقوع فيها يسير جداً وقد تكون الفضيحة مأمونة ((لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ))،وكما في قصة يوسف وامرأة العزيز، هنا يكون الاختبار والبلاء.
(وهاك صورٌ مشرقة من خوف الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح:
[*] فهذا الصديق - رضي الله عنه - يقول: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن، وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل.
[*] وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ سورة الطور حتى بلغ: {إنّ عَذابَ ربِكَ لَواقِعٌ} [الطور: 7]. بكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه، وقال لابنه وهو يموت: ويحك ضع خدى على الأض عساه يرحمنى ثم قال: ويل أمى لم يغفر لى –ثلاثاً –ثم قضى، وكان يمر بالآية في ورده بالله تخيفه فيبقى في البيت أياماً يعاد يحسبونه مريضاً، وكان في وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء.
[*] وقال له ابن عباس: " مصّر لله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح وفعل " فقال: " وددت أن أنجو لا أجر ولا وزر ".
[*] وهذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان إذا وقف على القبر يبكى حتى يبل لحيته، قال: " لو أننى بين االجنة والنار ولا أدرى إلى أيتهما أصير لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير ".
[*] وهذا أبو الدرداء - رضي الله عنه - كان يقول: " لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت، ماأكلتم طعاماً على شهوة، ولا شربتم شراباً على شهوة أبداً، ولا دخلتم بيتاً تستظلون به، ولخرجتم إلى الصعيد تضربون صدوركم وتبكون على أنفسكم، ولوددت إنيشجرة تعضد ثم تؤكل ".
[*] وكان ابن عباس رضي الله عنهما أسفل عينيه مثل الشراك البالى من كثرة الدموع.