[*] قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ((تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراماً))، طبعاً ليس المقصود أن يترك كل الحلال لكن الحذر يقتضي أحياناً ترك شيء من المباح خشية الوقوع في الحرام، ورَع. فإن الله قد بين للعباد أنه من يعمل مثقال ذرة شرّاً يره، فلابد أحياناً حتى تتقي الذرة من الشر أن توسع الدائرة لتبتعد، ولذلك" لا يرتع غنمه فيه وإنما يبتعد عنه ألا وإن لكل ملكٍ حمى وإن حمى الله محارمه"، ومن اقترب من الحمى أوشك أن يقع فيه.

[*] وقال الحسن رحمه الله: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام.

[*] وقال الثوري: إنما سمّوا متقين لأنهم اتقوا ما لا يُتقى" ما لا يُتقى عادة أو ما لا يتقيه أكثر الناس".

فالمتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسمّاهم الله متقين، والمتقي أشد محاسبة لنفسه من محاسبة الشريك لشريكه، ولذلك يخلي جميع الذنوب ويتركها كما قال ابن المعتز:

خَلِّ الذنوبَ صغيرها ... وكبيرها ذاك التقى

واصنع كَمَاشٍ فوق أرض الشوك ... يَحْذرُ ما يرى

لا تحقِرنَّ صغيرةً ... إن الجبالَ من الحصى

لكن هنا مسألة مهمة وهي فائدة العلم في قضية التقوى، لابد أن تعرف أولاً ما هو الذي تتقيه ..

(1) أن تبين لك ما يجب عليك أن تتقي، تعلم أحكام الدين، تعلم الحلال والحرام ..

(2) وكذلك قد الإنسان من جهله يمتنع من حلال خالص ظناً منه أنه حرام، من الجهل ولا يكون في هذا ورع ولا تقوى ولكن حرمان نفس بدون فائدة ..

قال بعضهم:"إذا كنت لا تحسن تتقي؛ أكلت الربا، وإذا كنت لا تحسن تتقي؛ لقيتك امرأة ولم تغض بصرك، وإذا كنت لا تحسن تتقي؛ وضعت سيفك على عاتقك"، أي تدخل في الفتن بالجهل، ودخل مسلمين كُثر عبر التاريخ الإسلامي في معارك بين المسلمين لو كان عندهم علم وفقه ما دخلوا فيها، مع أن بعضهم قد يتورع عن أشياء دقيقة جداً، لكن في الدماء لم يتورع للجهل.

(مسألة الاستصغار التي تقع من كثر من الناس للذنوب ويراها سهلة وليست بشيء، كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار، ((إياكم ومحقرات الذنوب))، كما جاء في الحديث الآتي:

(حديث عائشة رضي الله عنها الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: يا عائشة! إياك ومحقرات الذنوب؛ فإن لها من الله طالبا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015