واسأل التاريخ؛ فإنها قد استودعته من مآثرها الغرِّ ما بَصُر بضوئه الأعمى، وازدهر في الأرض ازدهار الكواكب في كبد السماء.

فماذا فعل المسلمون لما انتصروا على خصومهم؟ ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لما انتصر على قريش وفتح مكة؟ ألم يصفح عنهم؟ وينس ما فعلوه به؟

وماذا فعل المسلمون لما انتصروا على كسرى وقيصر؟ هل خانوا العهود، وهل انتهكوا الأعراض؟ وهل قتلوا الشيوخ والأطفال والنساء؟

وماذا فعل صلاح الدين لما انتصر على الصليبين؟ ألم يُنْعِم على قائدهم بالعفو؟ ألم يعالجه، ويطلق سراحه؟

فهذه المواقف وأمثالها كثيرة في تاريخ المسلمين، مما كان لها أبلغ الأثر في محبة الناس للإسلام، والدخول فيه عن قناعة ويقين.

أفَغَيْرَ المسلمين يقوم بمثل هذا؟ آلغرب يقدم لنا مثل هذه النماذج؟

الجواب ما تراه وتسمعه؛ فمن أين خرج هتلر، وموسوليني، ولينين، وستالين، ومجرمو الصرب؟ أليست أوربا هي التي أخرجت هؤلاء الطواغيت الشياطين الذين قتلوا الملايين من البشر، والذين لاقت البشرية منهم الويلات إثر الويلات؟ ألا يُعَدُّ أولئك هم طلائع حضارة أوربا؟ فمن الهمج العتاة القساة الأجلاف إذاً؟

ثم من الذي صنع القنابل النووية والجرثومية، وأسلحة الدمار الشامل؟ ومن الذين لوثوا الهواء بالعوادم، والأنهار بالمبيدات؟ ومن الذي يدعم اليهود وهم في قمة الإرهاب والتسلط والظلم؟

وماذا صنعت أو تصنعه أمريكا من التسلط، والصلف، وهي التي تدعي أنها حاملة لواء السلام؟

فماذا صنعت بأطفال أفغانستان وشعبه البائس، وماذا ستفعله في العراق وغيره.

أما آن لكثير من مثقفينا أن يصحوا من رقدتهم؟ وألا ينظروا إلى الغرب بعين عوراء متغافلين عن ظلمه، وإفلاسه الروحي؟

هذه هي حال كثير من مثقفينا، ومع ذلك تجدهم يتصدرون وسائل الإعلام، ويتطرقون لقضايا الأمة.

ولو صُرف النظر عن ناحيتهم، وترك حبلُهم على غاربهم لهبطوا بكثير من شبابنا في خسار يهتز له قلب عدوهم شماتةً وفرحاً.

والنفوس التي تتزحزح عن الإيمان قيد شعرة تبتعد عن مراقي الفلاح سبعين خريفاً.

فلا بد إذاً من أن نكون على مرقبة من دعايتهم، وننفق ساعات في التنبيه على أغلاطهم؛ لعلهم ينصاعون إلى رشدهم، أو لعل الأمة تحذر عاقبة هذا الذي يبدو على أفواههم.

فحقيق على هؤلاء أن يؤوبوا إلى رشدهم، وأن يقدموا لأمتهم ما يرفع عنها الذلة والتبعية، وأن يبحثوا في سبل رقيها وفلاحها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015