ومن هنا نستبين أن للإسراف سيئةً أخرى هي قطع صلة التعاطف والتوادد بين كثير من أفراد الأمة.

ولهذا تجد من الموسرين المترفين من ينفق الأموال الطائلة في سبيل لذَّاته وشياطينه، وإذا سئل بذل القليل في مشروع جليل أعرض ونأى بجانبه.

هذا وللإسراف في الترف أثر كبير في إهمال النصيحة والدعوة إلى الحق؛ ذلك أن من اعتاد التقلب في الزينة، وألفت نفسُه العيش الناعم_ يغلب عليه الحرص على هذا الحال؛ فيتجنب المواقف التي يمكن أن تكون سبباً لفوات بعض النعيم.

وللإسراف أثر في الصحة؛ فقد دلت المشاهدات على أن المسرف في نحو المأكل والمشرب لا يتمتع بالصحة التي يتمتع بها المقتصدون فيما يأكلون ويشربون.

والإسراف في الترف يقل معه النبوغ في العلم؛ ذلك أن النفس المحفوفة بالرفاهية من كل جانب يضعف طموحها إلى اللذات العقلية؛ لأنها في لذة قد تشغلها أن تطلب لذة كلذة العلوم طلباً يبلغ بها مرتبة العبقرية.

ومن الجلي أن مرتبة العبقرية لا تُدْرك إلا باحتمال مصاعب، واقتحام أخطار، والمسرفُ في الترف ضعيف العزيمة لا يثبت أمام المكاره والشدائد.

هذه بعض مضار الإسراف؛ فحق الأمة التي تريد النهوض من كبوتها أن تقلع عن الإسراف في الرفاهية، وتضع مكان الإسراف بذلاً في وجوه البر والإصلاح؛ فمما تشكو منه الأمة إطلاق الأيدي بإنفاق المال في غير جدوى، وتدبير المال على غير حكمة وحسن تقدير.

قال العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: إن أمة تنفق الملايين في الشهر على القهوة والدخان، وتنفق مثلها على المحرمات، وتنفق مثلها على البدع الضارة، وتنفق أمثال ذلك كله على الكماليات التي تنقص الحياة ولا تزيد فيها، ثم تدَّعي الفقر إذا دعاها داعي العلم لما يحييها لأمة كاذبة على الله، سفيهة في تصرفاتها.

(وقال أيضاً: المال الذي تنفقه في المحرمات يسوقك إلى النار، والمال الذي تبدده في الشهوات يجلب لك العار، والمال الذي تدخره للورثة الجاهلين تهديه إلى الأشرار، وتبوء أنت بالتبار والخسار.

أما المال الذي تحيي به العلم، وتميت به الجهل فهو الذي يتوجك في الدنيا بتاج الفخار، وينزلك عند الله منزلة الأبرار.

ولا يعني التحذير من الإسراف في الترف أن يكون الناس على سنة واحدة من الإعراض عن الزينة والملاذِّ؛ فقد قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ) [الأعراف: 32]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015