وأخيراً فإني أحمد الله عز وجل على هدايته لي بعد الضلال الكبير الذي عشته، وانحرافي عن الصراط المستقيم، ولو أن النهاية كانت قاسية ومؤلمة كما يظهر لبعض الناس، لكنها أفضل من قسوة وعقوبة الآخرة ..

هذه نماذج لبعض أحوال التائبين، وما وجدوه من الأنس والنعيم والطمأنينة لما أقبلوا على الله، وآثروا محابه عز وجل.

ولا عجب في ذلك؛ لأنه لا نعيم ولا أنس إلا بالله، وبمحبته، والإقبال عليه.

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما محبة الرب سبحانه فشأنها غير الشأن؛ فإنه لا شيء أحب إلى القلوب من خالقها وفاطرها؛ فهو إلهها، ومعبودها، ووليها، ومولاها، وربها، ومدبرها، ورازقها، ومميتها، ومحييها؛ فمحبته نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفس، وقوت القلوب، ونور العقول، وقرة العيون، وعمارة الباطن؛ فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة، والعقول الزاكية أحلى، ولا ألذ، ولا أطيب، ولا أسرَّ، ولا أنعم من محبته، والأنس به، والشوق إلى لقائه.

والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه فوق كل حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك أتم من كل نعيم، واللذة التي تناله أعلى من كل لذة (?).

(إلى أن قال: ووجدان هذه الأمور وذوقُها هو بحسب قوة المحبة وضعفها، وبحسب إدراك جمال المحبوب، والقرب منه، وكلما كانت المحبة أكمل، وإدراك المحبوب أتم، والقرب منه أوفر_كانت الحلاوة، واللذة، والسرور، والنعيم أقوى.

فمن كان بالله سبحانه وأسمائه، وصفاته أعرف، وفيه أرغب، وله أحب، وإليه أقرب وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ولا يعرف إلا بالذوق والوجد.

ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حباً لغيره، ولا أنساً به.

وكلما ازداد له حباً ازداد له عبودية، وذلاً، وخضوعاً ورقَّاً له وحرية عن رق غيره (?).

(إلى أن قال: وما من مؤمن إلا وفي قلبه محبة لله تعالى وطمأنينة بذكره، وتنعم بمعرفته، ولذة وسرور بذكره، وشوق إلى لقائه، وأنس بقربه، وإن لم يَحُسَّ به؛ لاشتغال قلبه بغيره، وانصرافه إلى ما هو مشغول به؛ فوجود الشي غير الإحساس والشعور به (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015