يبدو أنني في زحمة انشغالي بالعمل وفرحتي واحترامي للشعب الصومالي نسيتُ مهمتي الأصلية، التي جئت وجاء الفريق من أجلها! فبسرعة عجيبة كان لي أصدقاء مسلمون يسألون عني وأسأل عنهم، تفانيت في محاربة أمراض العمى، وأشرفت على علاج عشرات الحالات، وكانت كلمات المديح والإطراء تخرج من كل الأفواه أثناء مروري على أي تجمع أو في أي شارع، كنت أفهم كلماتهم رغم أنها صادرة بلغة غير لغتي لكنها لغة الإحساس، في زحمة ذلك كله وبعد خمسة أشهر من النجاح الباهر في محاربة العمى جاءتني برقية من قصر رئاسة المنظمة الألمانية التي تتولى تنفيذ المشروع من ألمانيا!
قلت لنفسي: لعلها بشرى سارة فقد أمروني بالعودة فوراً، ربما ليشكروني على التفاني في العمل، وربما ليقدموا لي ولأفراد الفريق هدايا أو أوسمة. لم أستطيع أن أفسر طلبهم العجيب بضرورة توجهي إلى إنجلترا لأخذ دورة جديدة تساعدني في إنجاح مهمتي، إن مهمتي ناجحة تماماً والعمل هناك يمضي بصورة رائعة فما جدوى هذه الدورة مع رجل مثلي كان الأول على كل الدورات السابقة؟ لم أستطع التفسير وبالتالي لم أستطع الرد بأكثر من نعم. سافرت إلى إنجلترا وأمضيت هناك شهراً كاملاً، وعدتُ إلى ألمانيا الغربية وأنا أتوق إلى أوامر بعودتي إلى الصومال، وبعد أسبوع جاء الأمر: توجه إلى تنزانيا! ومرة أخرى لا أجد تفسيراً لتوجهي إلى تنزانيا رغم نجاحي في الصومال، ولأنني لم أناقشهم في سبب ذلك. اطمأنوا تماماً لي وأرسلوا لي برقية بعد أربعة أسابيع يطلبون فيها عودتي إلى الصومال، وبكيتُ فرحاً!
عدتُ إلى الصومال بعد خمسة أشهر من الانقطاع عن الوجوه الطيبة والقلوب الدافئة، التحقتُ بالمشروع على الفور، ومارستُ عملي وإشرافي، كانتْ فرحةُ الصوماليين بعودتي تكاد تقترب من فرحة مريض بمرض في عينه وتم علاجه، ولولا اتهامي بالمبالغة لقلتُ أن فرحتهم بي كانت كفرحة الأعمى بعودة البصر إلى عينيه، هذا ما أحسستُ به خاصةً من صديقي (محمد باهور).