لم أخجل من الشيب الذي زحف إلى رأسي ... لم أرحم مستقبل ابنتي الكبرى التي تنتظر من يطرق الباب طالباً يدها للزواج ... لم أعبأ بالضحكات الطفولية لابنتي الصغرى التي كانت تضفي السعادة والبهجة على البيت ... لم أتلفت إلى ولدي ذي الخمسة عشر ربيعاً والذي أرى فيه أيام صباي وطموحات شبابي وأحلام مستقبلي ... وفوق كل هذا وذاك لم أهتم بنظرات زوجتي ... شريكة الحلو والمرّ وهي تكاد تسألني إلى أين ذلك الرحيل المفاجئ.
شيئا واحداً كان في خاطري وأنا أجمع حقيبة الضياع لأرحل ... قفز هذا الشيء فجأة ليصبح هو الحلم والأمل ... ليصبح هو الخاطر الوحيد ... وميزان الاختيارات الأقوى.
ما أقسى أن يختار المرء تحت تأثير الرغبة ... وما أفظع أن يسلك طريقاً لا هدف له فيه سوء تلبية نداء الشيطان في نفسه وهكذا أنا ... كأنه لم تكفني ما تمنحه زوجتي إياي ... تلك المرأة الطيبة التي باعت زهرة عمرها لتشتري فقري ... وضحت كثيراً لتشبع غروري الكاذب ... كانت تمر عليها أيام وهي تقتصر على وجبة واحدة في اليوم لأن مرتبي المتواضع من وظيفتي البسيطة لم يكن يصمد أمام متطلبات الحياة.
صبرت المسكينة ... وقاست كثيراً حتى وقفت على قدمي ... كنت أصعد على أشلاء تضحياتها ... نسيتُ أنها امرأة جميلة صغيرة ... يتمناها عشرات الميسورين واختارتني لتبني مني رجلاً ذا دنيا واسعة في عالم الأعمال يسانده النجاح في كل خطوة من خطواته.
وفي الوقت الذي قررّت فيه أن ترتاح تجني ثمرات كفاحها معي فوجئتْ بي أطير كأن عقلي تضخم من أموالي ... وكأني أعيش طيش المراهقة التي لم أعشها في مرحلتها الحقيقية.
بدأت يومي الأول في بانكوك ... وجه زوجتي يصفع خيالي كلما هممتُ بالسقوط هل هي صيحات داخلية من ضمير يرفض أن ينام ... أم هو عجز (الكهولة) الذي شل حركتي.
(إنك لا تستطيع شيئاً ... أعرض نفسك على الطبيب) عبارة صفعتني بها أول عثرة فنهضت وقد أعمى الشيطان البصيرة ولم يعد همي سوى رد الصفعة ... توالت السقطات وتوالى الضياع ... كنت أخرج كل يوم لأشتري الهلاك وأبيع الدين والصحة ومستقبل الأولاد وسلامة الأسرة ... ظننت أنني الرابح والحقيقة أنني الخاسر الضائع الذي فقد روحه وضميره وعاش بسلوك البهائم يغشى مواطن الزلل.
أخذت أتجرع ساعات الهلاك في بانكوك كأنني أتجرّع السم الزعاف ... أشرب كأس الموت ... كلما زلّت القدم بعثرات الفساد ... لم تعد في زمني عظة ولم يسمع عقلي حكمة.