ثانيا: أما إذا كانت الأموال المحرمة قد أخذت في معاوضات أو أعمال محرمة، على وجه التراضي، كثمن الخمر، وأجرة الغناء والزمر والكهانة وكتابة الربا وشهادة الزور ونحو ذلك من الأعمال المحرمة، ففيها تفصيل:

أ – فما كسبه الإنسان من ذلك وهو جاهل بتحريمه، فإنه له، ولا يلزمه التخلص منه؛ لقول الله تعالى في الربا بعد نزول تحريمه: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/275.

ب- وإن كان يعلم تحريم هذا المال، لكنه أنفقه وذهب، فإذا تاب الإنسان فلا شيء عليه.

ج – إذا كان المال باقيا، فإنه يلزم التخلص منه بإنفاقه في وجه الخير، إلا إذا كان محتاجا فإنه يأخذ منه قدر الحاجة، ويتخلص من الباقي.

(وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

أسأل سماحتكم عن فتوى شاعت بين الناس عن أحد العلماء، بأن الشخص إذا كسب مالا من صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات، وتاب إلى الله سبحانه وتعالى فإن هذا المال المكتسب عن طريق صنع الخمر أو بيعه أو بيع المخدرات وترويجها فإنه حلال.

فأجابوا: " إذا كان حين كسب الحرام يعلم تحريمه، فإنه لا يحل له بالتوبة، بل يجب عليه التخلص منه بإنفاقه في وجوه البر وأعمال الخير " انتهى.

"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/ 33).

[*] (قال ابن القيم رحمه الله: " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض، كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده. فقالت طائفة: يرده إلى مالكه؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح.

وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أصوب القولين ... " انتهى من "مدارج السالكين" (1/ 389).

وقد بسط ابن القيم الكلام على هذه المسألة في "زاد المعاد" (5/ 778) وقرر أن طريق التخلص من هذا المال وتمام التوبة إنما يكون: " بالتصدق به، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته، ويتصدق بالباقي " انتهى.

[*] (وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإن تابت هذه البَغِيّ وهذا الخَمَّار، وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم، فإن كان يقدر يتّجر أو يعمل صنعة كالنسيج والغزل، أعطي ما يكون له رأس مال " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/ 308).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015