ولست على طبع الذباب متى يُذَدْ ... عن الشيء يسقط فيه وهو يرى الحتفا (?)

فلا يكون إذاً من وراء الشهوة إلا إذلال النفس، وموت الشرف، والضعة والتسفل؛ أوليس من الذل أن تكون حياة الإنسان معلقة بغيره، وسعادته بيد سواه، فهو مضطر إليه، وهو لعبة في يديه، إن أقبل سعد، وإن أعرض شقي، وإن مال إلى غيره اسودت الدنيا في عينيه؟

هذا الله الصغار بعينه، وهذا هو الذل الذي لا ينفع معه المال الكثير، ولا الجاه العريض.

أليست هذه هي حقيقة الحب والعشق الذي ألهه الشعراء؟ أليست هذه هي حال من غاية طموحه أن تواصله امرأة بكلمة أو إشارة، أو ما هو أعلى من ذلك؟

بلى، ولكن هل سيسعد بهذا؟ وهل يكفيه ذلك الوصال؟ لا، بل كل ما واصل واحدة زاده الوصال نهماً، كشارب الماء المالح لا يزداد إلا عطشاً.

ولو أنه عرف من النساء آلافاً ثم رأى أخرى معرضة عنه لرغب فيها وحدها، وأحس من الألم لفقدها مثل الذي يحسه من لم يعرف امرأة قط.

ثم هب أن الإنسان وجد منهن كل ما يريد، ووسعه السلطان والمال؛ فهل يسعه الجسد، وهل تقوى الصحة على حمل مطالب الشهوة، ودون ذلك تنهار أقوى الأجساد، وكم من رجال كانوا أعاجيب في القوة، فما هي إلا أن استجابوا لشهواتهم، وانقادوا إلى غرائزهم حتى أصبحوا حطاماً.

وإن من عجائب حكمة الله أن جعل مع الفضيلة ثوابها؛ من الصحة والنشاط، وجعل مع الرذيلة عقابها؛ من الانحطاط والمرض.

ولَرُبَّ رجلٍ ما جاوز الثلاثين يبدو مما جار على نفسه كابن ستين، وابن ستين يبدو من العفاف كشاب دون الثلاثين (?).

[*] (قال ابن المقفع رحمه الله تعالى: اعلم أن من أوقع الأمور في الدين، وأنهكها للجسد، وأتلفها للمال، وأقتلها للعقل، وأزراها للمروءة، وأسرعها في ذهاب الجلالة والوقار الغرامَ بالنساء.

ومن البلاء على المغرم بهن أنه لا ينفك يأجم (?) ما عنده، وتطمح عيناه إلى ما ليس عنده منهن.

وإنما النساء أشباه، وما يتزين في العيون والقلوب من فضل مجهولات على معروفات باطل وخدعة، بل كثير مما يرغب عنه الراغب مما عنده أفضل مما تتوق إليه نفسه منهن.

وإنما المرتغب عما في رحله منهن إلى ما في رحال الناس كالمرتغب عن طعام بيته إلى ما في بيوت الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015