ولا ريب أن النفس إذا خالفت هواها أعقبها ذلك فرحاً وسروراً ولذة أكمل من لذة موافقة الهوى بما لا نسبة بينهما، وها هنا يمتاز العقل من الهوى.
الفائدة السابعة: أنه يخلص القلب من أسر الشهوة؛ فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه؛ فهو، كما قيل:
طليق برأي العين وهو أسير
ومتى أسرت الشهوةُ والهوى القلبَ تمكن منه عدوُّه، فسامه سوء العذاب، وصار:
كعصفورة في كف طفل يسومها ... حياض الردى والطفل يلهو ويلعب
الفائدة الثامنة: أنه يسد عنه باباً من أبواب جهنم؛ فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل، وتحريمُ الرب تعالى وشرعه حجاب مانع من الوصول؛ فمتى هتك الحجاب ضريَ (?)، ولم تقف نفسه منه عند غاية؛ فإن النفس لا تقنع بغاية تقف عندها؛ وذلك أن لذَّتها في الشيء الجديد؛ فصاحب الطارف لا يقنعه التليد، وإن كان أحسن منظراً، وأطيب مخبراً؛ فغض البصر يسد هذا الباب الذي عجزت الملوك عن استيفاء أغراضهم فيه.
الفائدة التاسعة: أنه يقوي العقل، ويزيده، ويثبته؛ فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه، وعدم ملاحظته للعواقب؛ فإن خاصة العقل ملاحظة العواقب، ومُرْسِل النظر لو علم ما تجني عواقبُ نظره عليه لما أطلق بصره، قال الشاعر:
وأعقلُ الناسِ من لم يرتكب سبباً ... حتى يفكر ما تجني عواقبه
الفائدة العاشرة: أنه يخلص القلب من سُكْرِ الشهوة، ورقدة الغفلة؛ فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة، ويوقع في سكرة العشق كما قال تعالى عن عشاق الصور: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر: 72]
فالنظرة كأس من خمر، والعشق هو سكر ذلك الشراب، وسكر العشق أعظم من سكر الخمر؛ فإن سَكْرانَ الخمر يُفيق، وسكران العشق قلما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات، كما قيل:
سكْران: سُكْرُ هوىً وسُكر مدامةٍ ... ومتى إفاقةُ مَنْ به سكران
وفوائد غض البصر وآفات إرساله أضعافُ أضعاف ما ذكرنا، وإنما نبهنا عليه تنبيهاً (?).
فحري بالعاقل اللبيب الذي يريد السلامة لنفسه، ويخشى المعاطب عليها_أن يغض بصره، وأن يجاهد نفسه على ذلك غاية المجاهدة؛ فعصرنا هذا عصر الفتن من مجلات، وقنوات فضائية ونحو ذلك مما يصعب الخلاص منه إلا بتوفيق من الله، وصدق توكل عليه، وقوة إرادة وعزيمة.