بل فساد القلب إذا خلا من محبة فاطره وبارئه وإلهه الحقِّ أعظم من فساد البدن إذا خلا من الروح.
وهذا الأمر لا يصدق به إلا من فيه حياة، وما لجرح بميت إيلام (?).
(وقال أيضاً عن محبة الله عز وجل: وهي من أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته ومعاصيه؛ فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوي سلطان المحبة في القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى، وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها، وفَرْقٌ بين من يحمله على ترك معصية سيده خوفُه من سوطه وعقوبته، وبين من يحمله على ذلك حبُّه لسيده (?).
(وقال أيضاً: فالمحب الصادق عليه رقيب من محبوبه يرعى قلبه وجوارحه، وعلامة صدق المحبة شهود هذا الرقيب ودوامه.
وههنا لطيفة يجب التنبه لها، وهي أن المحبة المجردة لا توجب هذا الأثر ما لم تقترن بإجلال المحبوب وتعظيمه؛ فإذا قارنها بالإجلال والتعظيم أوجبت هذا الحياء والطاعة.
وإلا فالمحبة الخالية عنهما إنما توجب نوع أنس وانبساط وتذكر واشتياق؛ ولهذا يتخلف عنها أثرها ومُوجبها، ويفتش العبد قلبه فيرى نوع محبة لله، ولكن لا تحمله على ترك معاصيه، وسبب ذلك تجردها عن الإجلال والتعظيم؛ فما عَمَرَ القلبَ شيءٌ كالمحبة المقترنة بإجلاله وتعظيمه، وتلك من أفضل المواهب أو أفضلها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (?).
(2) المجاهدة:
فالمجاهدة عظيمة النفع، كثيرة الجدوى؛ معينة على الإقصار عن الشر، دافعة إلى المبادرة إلى الخير؛ ذلك أن النفوس طلعة إلى الشرور، مُؤْثِرَةً للكسل والبطالة؛ فإذا راضها الإنسان، وجاهدها في ذات الله فليبشر بالخير، والإعانة والهداية.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]
[*] قال ابن المبارك رحمه الله:
ومن البلايا للبلاء علامةٌ ... ألا يرى لك من هواك نزوع
العبدُ عبدُ النفس في شهواتها ... والحر يشبع تارة ويجوع (?)
والمقصود بالمجاهدة مجاهدة النفس حتى الممات والسير بها إلى رضوان الله تعالى.
وقال الآخر:
النفس إن أعطيتها مناها ... فاغرة نحو هواها فاها
وقال الآخر:
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت ... ولم ينهها تاقت إلى كل مطلب
وقال أبو العباس الناشىء: