الجهل والظلم إلا بأن يعلمه الله ما ينفعه، ويلهمه رشده، فمن أراد به الخير علمه ما ينفعه، فخرج به عن الجهل، ونفعه بما علمه، فخرج به عن الظلم، ومتى لم يرد به خيرا أبقاه على أصل الخلقة، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه الثابت في السلسلة الصحيحة) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:"إِنَّ اللهَ خَلَقَ خَلْقَهُ في ظُلْمَةٍ، ثُمَّ ألْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فمَنْ أصَابَهُ ذلِكَ النُّورُ اُهْتَدَى، وَمَنْ أخْطأَهُ ضَلَّ".
فالنفس تهوى ما يضرها ولا ينفعها، لجهلها بمضرته لها تارة، ولفساد قصدها تارة، ولمجموعهما تارة، وقد ذم الله تعالى في كتابه من أجاب داعي الجهل والظلم، فقال: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهَمْ وَمَنْ أَضَلُّ مَّمِنِ اتبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظّالمِين} [القصص: 50] وقال {إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظّنَّ وَمَا تهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى} [النجم: 23].
(فأصل كل خير: هو العلم والعدل.
(وأصل كل شر: هو الجهل والظلم.
وقد جعل الله سبحانه للعدل المأمور به حدا، فمن تجاوزه كان ظالما معتديا، وله من الذم والعقوبة بحسب ظلمه وعدوانه، الذي خرج به عن العدل، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
قال فيمن ابتغى سوى زوجته أو ملك يمينه:
{فَمَن اُبْتَغَى وَرَاءَ ذلِكَ فَأُولِئكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] وقال {وَلا تَعْتَدُوا إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
والمقصود: أن محبة الظلم والعدوان سببها «فساد العلم أو فساد القصد»، أو فسادهما جميعا.
(إذا تبين هذا، «فالعبد أحوج شيء إلى معرفة ما يضره ليجتنبه، وما ينفعه ليحرص عليه ويفعله»، فيحب النافع: ويبغض الضار، فتكون محبته وكراهته موافقتين لمحبة الله تعالى وكراهته، وهذا من لوازم العبودية والمحبة، ومتى خرج عن ذلك أحب ما يسخطه ربه وكره ما يحبه، فنقصت عبوديته بحسب ذلك.