(8) الانحراف في مفهوم الحب والعشق: فمن أعظم أسباب العشق الانحراف في مفهومه؛ حيث يُظن أنْ لا عشق ولا حب إلا ذاك الذي يعمي صاحبه، ويجعله سادراً في غيه، لا يكاد يفيق من سكره.
فيرى أولئك أن الحب هو ذاك فحسب، وأن من وقع فيه نال فضيلة الحب من رقَّةٍ، وظرفٍ، ولطافة، وكرم ونحو ذلك.
ومن لم يعشق ويحب ذلك الحب فهو جامد الطبع، متبلد الإحساس، خالٍ من العواطف، متجرد من الفضائل، كما قال قائلهم:
إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى ... فكن حجرا من جامد الصخر جلمدا (?)
وكما قال الآخر:
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فأنت وعَيْر في الفلاة سواء (?)
وكما قال الآخر:
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فمالك في طيب الحياة نصيب (?)
ولا ريب أن المتجرد من عواطف الحب بليد الطبع، قاسي القلب، متجرد من أسمى الفضائل.
ولكنَّ حصرَ الحبِّ والعشق في زاوية حب الصور المحرمة جهل وانحراف؛ ذلك أن مفهوم الحب أوسع، ودائرته أعم، وصوره أشمل.
وما عشق الصور المحرمة إلا زاوية ضيقة من زوايا الحب، بل هي أضيقها، وأضرها؛ فلقد غاب عن هؤلاء أن هذا العشق نقطة في بحر الحب، وغاب عنهم حب الوالدين، وحب الأولاد، وحب المساكين، وحب الزوجة، وحب الفضائل، والمكارم، وحب المعالي والمروءات، وحب الطهر، والعفة، والشجاعة، وحب الصداقة، وغاب عنهم حب اللذات العقلية وهي أرقى وأسمى وألذ من اللذات الجسدية، وألذها لذة العلم، وما يتفرع عنه.
بل لقد غاب عنهم أعظم الحب، وأشرفه، وأنفعه، وأجمله، وأجله، وأكمله، وأبهاه، وهو حب الله عز وجل فهو أصل المحاب المحمودة، بل وكل محبة محمودة إنما هي متفرعة عن ذلك.
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فالمحبة النافعة ثلاثة أنواع: محبة الله، ومحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله تعالى واجتناب معصيته.
والمحبة الضارة ثلاثة أنواع: المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله، ومحبة ما تقطع محبته عن الله تعالى أو تنقصها؛ فهذه ستة أنواع عليها مدار محاب الخلق.
فمحبة الله عز وجل أصل المحاب، وأصل الإيمان والتوحيد، والنوعان الآخران تبع لها.
و المحبة مع الله أصل الشرك، والمحابِّ المذمومة، والنوعان الآخران تبع لها (?).