أول ما يتجدد الاستحسان للشخص ثم يجلب إرادة القرب منه ثم المودة وهو أن يود أن لو ملكه ثم يقوى الود فيصير محبة ثم يصير خلة ثم يصير هوى فيهوي بصاحبه في محاب المحبوب من غير تمالك ثم يصير عشقا ثم يصير تتيما والتتيم حالة يصير بها المعشوق مالكا للعاشق لا يوجد في قلبه سواه ومنه تيم الله، ثم يزيد التتيم فيصير ولهاً والوله الخروج عن حد الترتيب والتعطل عن أحوال التمييز.
وقال بعض العلماء أول مراتب العشق الميل إلى المحبوب ثم يستحكم الهوى فيصير مودة ثم تزيد بالمؤانسة وتدرس بالجفاء والأذى ثم الخلة ثم الصبابة وهي رقة الشوق يولدها الألفة ويبعثها الإشفاق ويهيجها الذكر ثم يصير عشقا وهو أعلى ضرب.
فمبتدؤه يصفي الفهم ويهذب العقل كما قال ذو الرياستين لأصحابه اعشقوا ولا تعشقوا حراما فإن عشق الحلال يطلق اللسان العيي ويرفع التبلد ويسخي كف البخيل ويبعث على النظافة ويدعو إلى الذكاء.
فإذا زاد مرض الجسد فإذا زاد جرح القلب وأزال الرأي واستهلك العقل ثم يترقى فيصير ولها ويسمى ذو الوله مدلها ومستهاما ومستهترا وحيران ثم قال ابن دريد الصبابة رقة الهوى واشتقاق الحب من أحب البعير إذا برك من الإعياء.
(المحبة جنس والعشق نوع:
مسألة: ما الفرق بين المحبة والعشق؟
[*] (قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى:
واعلم أن المحبة جنس والعشق نوع فإن الرجل يحب أباه وابنه،
ولا يبعثه ذلك على تلف نفسه بخلاف العاشق.
[*] (أورد الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتابه ذم الهوى عن محمد بن يزيد المبرد قال سمعت الجاحظ يقول كل عشق يسمى حبا وليس كل حب يسمى عشقا لأن العشق اسم لما فضل عن المحبة كما أن السرف اسم لما جاوز الجود والبخل اسم لما نقص عن الاقتصاد والجبن اسم لما فضل عن شدة الاحتراس والهوج اسم لما فضل عن الشجاعة.
(أسباب العشق:
مسألة: ما هو أسباب العشق؟
وبعد أن تبين خطر العشق، وعظيم جنايته، وكثرة الأضرار الناجمة عنه، والمظالم الحاصلة من جرائه، لا بد من الوقوف على الأسباب الحاملة على العشق، والمحركة له؛ ذلك أن العشق ينشأ، ويثور إذا وجدت محركاته ومهيجاته؛ فهناك أسباب تثير العشق، وتبعثه، بل وتسوق إليه سوقاً، وتجر إليه جراً.
(1) التثبت في النظر ومعاودته: