[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى متحدثاً عن مفاسد اللواط: فإن في اللواط من المفاسد ما يفوت الحصر والعد، ولأن يقتل المفعول به خير له من أن يؤتى؛ فإنه يفسد فساداً لا يرجى له بعده صلاح أبداً، ويذهب خيره كله، وتمص الأرض ماء الحياء من وجهه؛ فلا يستحيي بعد ذلك من الله، ولا من خلقه، وتعمل في قلبه، وروحه نطفةُ الفاعلِ ما يعمل السم في البدن (?).

(وقال أيضاً: ولم يَبْتَلِ الله سبحانه بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحداً من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكَّل بهم نكالاً لم ينكله أمة سواهم؛ وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد تميد من جوانبها الأرض إذا عُمِلت فيها، وتهرب الملائكة من أقطار السماوات والأرض إذا شاهدوها؛ خشية نزول العذاب على أهلها؛ فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى وتكاد الجبال تزول عن أماكنها وقتل المفعول به خير له من وطئه؛ فإنه إذا وطئه قتله قتلاً لا ترجى الحياة معه بخلاف قتله، فإنه مظلوم شهيد وربما ينتفع به في آخرته (?).

(وقال أيضاً: متحدثاً عن فاحشتي الزنا واللواط: فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصية في تبعيد القلب من الله؛ فإنهما من أعظم الخبائث؛ فإذا انصبغ القلب بهما بَعُد ممن هو طيب، لا يصعد إليه إلا طيب، وكلما ازداد خبثاً ازداد من الله بعداً (?).

(وقال متحدثاً عما حل بقوم لوط عليه السلام: فوالله ما كان بين إهلاك أعداء الله ونجاة نبيه وأوليائه إلا ما بين السَّحر وطلوع الفجر، وإذا بديارهم قد اقتلعت من أصولها، ورفعت نحو السماء، حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب، ونهيق الحمير، فبرز المرسوم الذي لا يرد عن الرب الجليل إلى عبده ورسوله جبرائيل، بأن يقلبها عليهم كما أخبر به محكم التنزيل، فقال عز من قائل: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) [هود:82]

فجعلهم آية للعالمين، وموعظة للمتقين، ونكالاً لمن شاركهم في أعمالهم من المجرمين، وجعل ديارهم بطريق السالكين (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر: [75_77]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015