(فجاء التحريم مواكباً لما تقتضيه الطبيعة البشرية، ولما يسببه الزنا من أضرار وأمراض بالغة، سواءً العضوية أو النفسية أو الاجتماعية، فالزنا يسبب أمراضاً خطيرة وفتاكة بالجسم، ويؤدي إلى اضطراب المجتمعات، وتفكك الأسر، ولا أدل على ذلك من التفكك والضياع الذي تعيشه معظم الأسر الغربية وانحلال الحياء بسبب اقتراف فاحشة الزنا، فمجتمع لا هم له إلا إشباع شهواته الغريزية، ولذاته الجنسية، ذاك مجتمع فاشل هابط ساقط، ولا يأمن بعضه بعضاً لاستفحال هذه الفاحشة فيهم. فهم معرضون لشديد عقاب الله وأليم عذابه.
فعند إقدام الزاني على الزنا وعند قيامه به في هذه الحالة قد ارتفع الإيمان فوق رأسه فهو بلا إيمان، ففي هذه الحالة انتفى الإيمان من قلبه وجوارحه حتى يترك هذه المعصية ـ عياذا بالله من ذلك ـ فكيف إذا جاء ملك الموت لتنفيذ أمر الله وقبض الأرواح، والزناة والزواني في هذه الحالة التي تغضب جبار السموات والأرض، كيف سيكون المصير؟ كيف وقد خرج الإيمان وجاء الموت؟ على أي حال كان هذا الزاني وهذه الزانية؟ إنهما كانا على حال تُغضب الله العزيز الجبار شديد العقاب، فالله يمهل للظالم ولا يهمله، وإذا أخذه لم يُفلته، بل يأخذه أخذ عزيز مقتدر
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله تعالى لَيملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
(إن اللّه تعالى لَيملي) بفتح اللام الأولى أي ليمهل والإملاء الإمهال والتأخير وإطالة العمر (للظالم) زيادة في استدراجه ليطول عمره ويكثر ظلمه فيزداد عقابه {إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً} فإمهاله عين عقابه
(حتى إذا أخذه) أي أنزل به نقمته (لم يُفلته) أي لم يفلت منه.
(فهل هناك أقبح من أن يأتي رجل امرأة لا تحل له؟ وهل هناك أفظع من أن يضع رجل نطفته في فرج حرام لا يحل له؟ فكيف إذا داهم ملك الموت هؤلاء الزناة؟ كيف سيكون الخلاص؟ وأين المهرب والملتجأ؟ وأين الناصرون؟ وأين المنقذون؟ وأين الآمرون بالزنا؟ وأين شيطانهم الذي دفعهم لارتكاب تلك الفاحشة الشنيعة؟ إن الشيطان الذي زين لهم القيام بالزنا وهون أمره في قلوبهم سيتخلى عنهم في ذلك الموقف العصيب الرهيب، ومن ينفع إذا جاء الموت، وغرغرت الروح وبلغت الحلقوم، والله لن ينفع العاصي في تلك اللحظة أحد من الخلق أجمعين ـ فنسأل الله أن يحسن خاتمتنا ـ