ولو فرض أن رجلاً أمر رجلاً بإتلاف ماله وأتلفه لم يضمنه وإن كانا ظالمين، وكذلك إذا قال: اقتل عبدي، هذا هو الصحيح، وهو المنصوص عن أحمد وغيره؛ فكذلك هذا هو سلَّط ذاك على أكل هذا المال برضاه؛ فلا وجه لتضمينه ـ وإن كانا آثمين ـ كما لو أتلفه بفعله، إذ لا فرق بين أن يتلفه بأكله أو بإحراقه، بل أكله خير من إحراقه، فإن لم يضمنه في هذا بطريق الأولى.
وأيضاً فكثير من العلماء يقولون: إن السارق لا يغرم؛ لئلا يجتمع عليه عقوبتان؛ من أن الحد حق لله، والمال حق لآدمي.
وهذا أولى؛ لئلا يجتمع على المربي عقوبتان: إسقاط ما بقي، والمطالبة بما أكل.
وإذا كان عين المال باقياً فهو لم يقبضه بغير اختيار صاحبه كالسارق، والغاصب، بل قبضه باتفاقهما، ورضاهما بعقد من العقود، وهو لو كان كافراً ثم أسلم لم يرده، وقد قال تعالى: =فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله.
[تفسير آيات أشكلت 2/ 588_590]
(وقال رحمه الله تعالى: وأما الذي لا ريب فيه عندنا فهو ما قبضه بتأويل، أو جهل _ فهنا له ما سلف بلا ريب، كما دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار.
وأما مع العلم بالتحريم فيحتاج إلى نظر؛ فإنه قد يقال: طرد هذا أن من اكتسب مالاً من ثمن خمر مع علمه بالتحريم فله ما سلف، وكذلك كل من كسب مالاً محرماً ثم تاب إذا كان برضا الدافع، ويلزم مثل ذلك في مهر البغي، وحلوان الكاهن.
ثالثاً: التوبة من الزنا والعياذ بالله:
(مفاسد الزنا والعياذ بالله:
الزنا فسادٌ كبير، أمره خطير وشره مستطير، له آثار كبيرة، وتنجم عنه أضرار كثيرة، سواء على مرتكبيه، أو على الأمة بعامة، وبما أن الزنا يكثر وقوعه ويجب تحذير الناس من شره لأنه أشر من البرص وأضر من الجرب، وجب علينا أن نبين مفاسد الزنا والعياذ بالله تعالى منه حتى يجتنبه المسلمون ولا يقتربوا من أي طريق يُقَرِّبُ منه امتثالاً لقوله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَىَ إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً) [الإسراء: 32]