فالإصرار على المعصية معصية أخرى والقعود عن تدراك الفارط من المعصية إصرار ورضا بها وطمأنينة إليها وذلك علامة الهلاك وأشد من هذا كله: المجاهرة بالذنب مع تيقن نظر الرب جل جلاله من فوق عرشه إليه فإن آمن بنظره إليه وأقدم على المجاهرة فعظيم وإن لم يؤمن بنظره إليه واطلاعه عليه فكفر وانسلاخ من الإسلام بالكلية فهو دائر بين الأمرين: «بين قلة الحياء ومجاهرة نظر الله إليه وبين الكفر والانسلاخ من الدين» فلذلك يشترط في صحة التوبة تيقنه أن الله كان ناظرا ولا يزال إليه مطلعا عليه يراه جهرة عند مواقعة الذنب لأن التوبة لا تصح إلا من سلم إلا أن يكون كافرا بنظر الله إليه جاحدا له فتوبته دخوله في الإسلام وإقراره بصفات الرب جل جلاله.
(ماهية الصغائر والكبائر:
وبعد أن تبين أن الذنوب منها كبائر وصغائر يحسن الوقوف عند ماهية الصغائر والكبائر؛ حيث اخْتُلِفَ في تحديد الكبائر وحصرها؛ فقيل في ذلك أقوال منها (?):
(1) قال عبد الله بن مسعود: هي أربع.
(2) وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: هي سبع.
(3) وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: هي تسع.
(4) وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا بلغه قول ابن عمر: الكبائر سبع يقول: هن إلى سبعين أقرب منها إلى سبع.
(5) وقال آخر: هي إحدى عشرة.
(6) وقال أبو طالب المكي: جمعتها من أقوال الصحابة فوجدتها
أربعة في القلب وهي: الإشراك بالله، والإصرار على المعصية، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله.
وأربعة في اللسان وهي: شهادة الزور، وقذف المحصنات، واليمين الغموس، والسحر (?).
وثلاثة في البطن: شرب الخمر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا.
واثنين في الفرج: الزنا، واللواط.
واثنين في اليدين وهما: القتل والسرقة.
وواحداً في الرجلين: وهو الفرار من الزحف.
وواحداً يتعلق بجميع الجسد: وهو عقوق الوالدين.
هذه أقوال الذين حصروها بعدد، وأما الذين لم يحصروها بعدد فمنهم من قال:
(1) ما اقترن بالنهي عنه وعيد من لعن، أو غضب، أو عقوبة فهو كبيرة، وما لم يقترن به شيء فهو صغيرة.