وكذلك كل من أبيح له منه قدر معين فتعداه إلى أكثر منه فهو من العدوان كمن أبيح له إساغة الغصة بجرعة من خمر فتناول الكأس كلها أو أبيح له نظرة الخطبة والسوم والشهادة والمعاملة والمداواة فأطلق عنان طرفه في ميادين محاسن المنظور وأسام طرف ناظره في تلك الرياض والزهور فتعدى المباح إلى القدر المحظور وحام حول الحمى المحوط المحجور فصار ذا بصر حائر وقلب عن مكانه طائر أرسل طرفه رائدا يأتيه بالخبر فخامر عليه وأقام في تلك الخيام فبعث القلب في آثاره فلم يشعر إلا وهو أسير يحجل في قيوده بين تلك الخيام فما أقلعت لحظات ناظره حتى تشحط بينهن قتيلا وما برحت تنوشه سيوف تلك الجفون حتى جندلته تجديلا «هذا خطر العدوان وما أمامه أعظم وأخطر وهذا فوت الحرمان» وما حرمه من فوات ثواب من غض طرفه لله عز وجل أجل وأكبر سافر الطرف في مفاوز محاسن المنظور إليه فلم يربح إلا أذى السفر وغرر بنفسه في ركوب تلك البيداء وما عرف أن راكبها على أعظم الخطر يا لها من سفرة لم يبلغ المسافر منها ما نواه ولم يضع فيها عن عاتقه عصاه حتى قطع عليه فيها الطريق وقعد له فيها الرصد على كل نقب ومضيق لا يستطيع الرجوع إلى وطنه والإياب ولا له سبيل إلى المرور والذهاب يرى هجير الهاجرة من بعيد فيظنه برد الشراب قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39] وتيقن أنه كان مغرورا بِلَامِعِ السراب، تالله ما استوت هذه الذلة وتلك اللذة في القيمة فيشتريها بها العارف الخبير ولا تقاربا في المنفعة فيتحير بينهما البصير ولكن على العيون غشاوة فلا تفرق بين مواطن السلامة ومواضع العثور، والقلوب تحت أغطية الغفلات راقدة فوق فرش الغرور قال تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].

(البغي:

مسألة: ما الفرق بين البغي والعدوان؟

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015