(أم كيف بهم إذا حشروا إلى جسر جهنم وهو أدق من الشعرة وأحد من الحسام وهو دحض مزلة مظلم لا يقطعه أحد إلا بنور يبصر به مواطيء الأقدام فقسمت بين الناس الأنوار وهم على قدر تفاوتها في المرور والذهاب وأعطوا نورا ظاهرا مع أهل الإسلام كما كانوا بينهم في هذه الدار يأتون بالصلاة والزكاة والحج والصيام فلما توسطوا الجسر عصفت على أنوارهم أهوية النفاق فأطفأت ما بأيديهم من المصابيح فوقفوا حيارى لا يستطيعون المرور فضرب بينهم وبين أهل الإيمان بسور له باب ولكن قد حيل بين القوم وبين المفاتيح باطنه الذي يلي المؤمنين فيه الرحمة وما يليهم من قبلهم العذاب والنقمة ينادون من تقدمهم من وفد الإيمان ومشاعل الركب تلوح على بعد كالنجوم تبدو لناظر الإنسان {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] لنتمكن في هذا المضيق من العبور فقد طفئت أنوارنا ولا جواز اليوم إلا بمصباح من النور {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} حيث قسمت الأنوار فهيهات الوقوف لأحد في مثل هذا المضمار كيف نلتمس الوقوف في هذا المضيق فهل يلوي اليوم أحد على أحد في هذا الطريق وهل يلتفت اليوم رفيق إلى رفيق فذكروهم باجتماعهم معهم وصحبتهم لهم في هذه الدار كما يذكر الغريب صاحب الوطن بصحبته له في الأسفار {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} نصوم كما تصومون ونصلي كما تصلون ونقرأ كما تقرؤون ونتصدق كما تصدقون ونحج كما تحجون فما الذي فرق بيننا اليوم حتى انفردتم دوننا بالمرور {قَالُوا بَلَى} ولكنكم كانت ظواهركم معنا وبواطنكم مع كل ملحد وكل ظلوم كفور {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ، فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد:14، 15].
(لا تستطل أوصاف القوم فالمتروك والله أكثر من المذكور كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم لكثرتهم على ظهر الأرض وفي أجواف القبور فلا خلت بقاع الأرض منهم لئلا يستوحش المؤمنون في الطرقات وتتعطل بهم أسباب المعايش وتخطفهم الوحوش والسباع في الفلوات سمع حذيفة رضي الله عنه رجلا يقول: اللهم أهلك المنافقين فقال: "يا ابن أخي لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك".
(خوف السلف من النفاق: