وأما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه ولا بكذبه بل يشك في أمره وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جملة فلا يسمعها ولا يلتفت إليها وأما مع التفاته إليها ونطره فيها: فإنه لا يبقى معه شك لأنها مستلزمة للصدق ولا سيما بمجموعها فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار.

مسألة: ما أنواع الشرك؟

[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:

وأما الشرك فهو نوعان: أكبر وأصغر فالأكبر: لا يغفره الله إلا بالتوبة منه وهو أن يتخذ من دون الله نداً يحبه كما يحب الله وهو الشرك الذي تضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين ولهذا قالوا لآلهتهم في النار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97، 98]

مع إقرارهم بأن الله وحده خالق كل شيء وربه ومليكه وأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق ولا تحيي ولا تميت «وإنما كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة» كما هو حال أكثر مشركي العالم بل كلهم يحبون معبوداتهم ويعظمونها ويوالونها من دون الله وكثير منهم بل أكثرهم يحبون آلهتهم أعظم من محبة الله ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وحده ويغضبون لمنتقص معبوديهم وآلهتهم من المشايخ أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحد رب العالمين وإذا انتهكت حرمة من حرمات آلهتهم ومعبوداتهم غضبوا غضب الليث إذا حرد وإذا انتهكت حرمات الله لم يغضبوا لها بل إذا قام المنتهك لها بإطعامهم شيئا رضوا عنه ولم تتنكر له قلوبهم وقد شاهدنا هذا نحن وغيرنا منهم جهرةً وترى أحدهم قد اتخذ ذكر إلهه ومعبوده من دون الله على لسانه ديدنا له إن قام وإن قعد وإن عثر وإن مرض وإن استوحش فذكر إلهه ومعبوده من دون الله هو الغالب على قلبه ولسانه وهو لا ينكر ذلك ويزعم أنه باب حاجته إلى الله وشفيعه عنده ووسيلته إليه.

وهكذا كان عباد الأصنام سواء وهذا القدر هو الذي قام بقلوبهم وتوارثه المشركون بحسب اختلاف آلهتهم فأولئك كانت آلهتهم من الحجر وغيرهم اتخذوها من البشر قال الله تعالى حاكيا عن أسلاف هؤلاء المشركين: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاًَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر:3]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015