وَتَقُولُ لَهُمْ جَوَارِحُهُمْ وَجُلُودُهُمْ: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَخْفُونَ مِنَّا حِينَمَا كُنْتُمْ تَرْتَكِبُونَ الفَوَاحِشَ حَذَراً مِنْ أَنْ نَشْهَدَ عَلَيْكُمْ، بَلْ كُنْتُمْ تُجَاهِرُونَ اللهَ تَعَالَى بِالكُفْرِ والمَعَاصِي، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ لاَ تَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يَعْلَمُ جَمِيعَ أَفْعَالِكُمْ. وَهَذَا الظَّنُّ الفَاسِدُ بِأَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ هُوَ الذِي أَرْدَاكُمْ وَأَوْصَلَكُمْ إِلَى الهَلَكَةِ، فَصِرْتُمْ اليَومَ مِنَ الهَالِكِينَ الخَاسِرِينَ.
وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَصَبَرُوا أَمْ لَمْ يَصْبِرُوا فَإِنَّهُمْ فِي النَّارِ لاَ مَحيدَ لَهُمْ عَنْهَا، وَلاَ خُرُوجَ لَهُمْ مِنْهَا، وَإِنْ طَلَبُوا أَنْ يَسْتَعِتبُوا وَيُبْدُوا مَعَاذِيرَهُمْ فَلَنْ يُقْبَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَلاَ تُقَالُ عَثَرَاتُهُمْ.
وَيَسَّرَ اللهُ تَعَالَى لِهَؤُلاَءِ الكَافِرِينَ أَخْدَاناً وَأَقْرَاناً مِنْ شَيَاطِينِ الجِنِّ وَالإِنْسِ، فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَينَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا مِنَ الضَّلاَلَةِ وَالكُفْرِ واتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ، فَحَسَّنُوا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَلَمْ يَرَوْا أَنْفُسَهُمْ إِلاَ مُحْسِنِينَ، وَأَوْحَوْا إِلَيْهِمْ إِنَّهُ لاَ جَنَّةَ وَلاَ نَارَ وَلاَ حِسَابَ، فَوَجَبَ عَلَيهِمْ مِنَ العَذَابِ مَا وَجَبَ عَلَى الذِينَ كَفَرُوا مِنْ ٌَقَبْلِهِمْ مِمَّنْ فَعَلُوا مِثْلَ أَفْعَالِِهِمْ، فَكَانُوا جَمِيعاً فِي الخَسَارِ والدَّمَارِ، وَاسْتَحَقُّوا اللَّعْنَ والخِزْيَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
وَتَوَاصَى الذِينَ كَفَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِأَلاَ يُؤْمِنُوا بِالقُرْآنِ، وَأَلاَ يَنْقَادُوا إِلَيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِذَا تُلِيَ القُرْآنُ لاَ تُنْصِتُوا لَهُ، وَعَارِضُوهُ بِاللَّغْوِ والبَاطِلِ بِرْفْعِ الصَّوْتِ بِالْشِّعْرِ، أَوِ الكَلاَمِ أَوِ الصَّفِيرِ. . لَعَلَّكُمْ تَكُونُونَ أَنْتُمْ الغَالِبينَ.