لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَهُ: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً} قَالَتْ اليَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ أفْتَقَرَ رَبُّكَ فَيَسْأَلُ عِبَادَهُ القَرْضَ؟ وَرُوِيَ أنَّ أبَا بَكْرٍ لَقِيَ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ فَدَعَاهُ إلى الإِسْلاَمِ، فَقَالَ لَهُ اليَهُودِيُّ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا بِنَا إلَى اللهِ مِنْ حَاجَةٍ مِنْ فَقْرٍ، وَإِنَّهُ إِلَينَا لَفَقِيرٌ، مَا نَتَضرَّعُ إلَيهِ كَمَا يَتَضرَّعُ إلينَا، وَإنا عَنْهُ أَغْنِياءُ، وَلَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيّاً مَا اسْتَقْرَضَ مِنَّا كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ. . فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةِ.
وَيَتَوَعَّدُ اللهُ تَعَالَى اليَهُودَ بِأنَّهُ سَمِعَ مَا قَالُوا، وَسَيَكْتُبُهُ وَيُسَجِّلُهُ عَلَيْهِمْ، وَسَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيهِ، كَمَا سَيُحَاسِبُهُمِ عَلَى رِضَاهُمْ بِمَا قَامَ بِهِ أَسْلافُهُمْ مِنْ قَتْلِهِم الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَسَيَجْزِيهِم اللهُ عَلَيهِ شَرَّ الجَزَاءِ. وَيَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ: ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ.
وَهَذا العَذَابُ المُحْرِقُ الذِي تَذُوقُونَهُ، إِنَّمَا وَقَعَ بِكُمْ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَتْهُ أيْدِيكُمْ مِنْ عَمَلٍ سَيِّئٍ، وَكُفْرٍ وَظُلْمٍ، وَقَتْلٍ لِلأَنْبِيَاءِ، وَقَوْلِ: إنَّ اللهَ فَقِيرٌ. وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ بِكُمْ هَذَا العِقَابَ بِالحَقِّ، وَالعَدْلِ، وَهُوَ لاَ يَظْلِمُ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ.
لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليَهُودَ إلى الإِسْلاَمِ، رَدَّ عَليهِ بَعْضُ رُؤَسَائِهِمْ (مِثْلُ كَعَبِ بْنِ الأشرَفِ، وَمَالِكِ بْنِ الصَّيفِ، وَفَنْحَاسِ بْنِ عَازُورَاءَ) قَائِلِينَ: إنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي كُتُبِهِمْ أنْ لاَ يُؤْمِنُوا لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَ بِمُعْجِزَةٍ، مِنْهَا أنْ يَكُونَ إذا قَرَّبَ قُرْبَاناً إلى اللهِ، (أيْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ) فَتُقُبِّلَ مِنْهُ، تَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَحْرُقُ القُرْبَانَ.