- ثُمَّ بِالنُّصْحِ وَالتَّذْكِيرِ بِالخَيْرِ، عَلَى وَجْهٍ تَرِقُّ لَهُ قُلُوبُهُمْ، وَيَبْعَثُهُمْ عَلَى التَّأمُّلِ فِيمَا يُلْقَى إِلَيْهِمْ مِنَ العِظَاتِ.- ثُمَّ بِالقَوْلِ البَلِيغِ، الذِي يُؤَثِّرُ فِي نُفُوسِهِمْ، كَالتَّوَعُّدِ بِالقّتْلِ، وَالاسْتِئْصَالِ إنْ ظَهَرَ مِنْهُمْ نِفَاقٌ، وَأنْ يُخْبِرَهُمْ أنَّ اللهَ عَالِمٌ بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ.
(28) أكلة الربا:
قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)} سورة البقرة
بَعْدَ أنْ ذَكَر اللهُ تَعَالَى الإِنفَاقَ فِي سَبيلِ اللهِ، وَالتَّصَدُّقَ عَلَى عِبَادِهِ، وَإخْراجَ الزَّكَاةِ، شَرَعَ فِي عَرْضِ حَالِ أكِلِي الرِّبا، وَأمْوالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَأَنْوَاعِ الشُّبُهَاتِ، فَأخْبَرَ عَنْ حَالِهِمْ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ، يَوْمَ البَعْثِ وَالنُّشُورِ، فَقَالَ عَنْهُم: إنَّهُم لاَ يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إلاّ قِياماً مُنْكَراً، كَمَا يَقُومُ المَصْرُوعُ حَالَ صَرَعِهِ وَأكْلُهُمُ الرِّبَا هَذا قائِمٌ عَلى اسْتِحلاَلِهِمْ لَهُ، وَجَعْلِهِ كَالبَيْعِ، فَيَقُولُونَ: كَمَا يَجُوزُ أنْ يَبيعَ الإِنْسَانُ سِلعَتَهُ التِي ثَمَنُهَا عَشَرَةُ دَراهِمَ عَلَى أنْ يَرُدَّهَا عَلَيهِ عِشْرِينَ دِرْهَماً بَعْدَ سَنَةٍ، فَالسَّبَبُ فِي رَأيِهِمْ وَاحِدٌ فِي كُلٍّ مِنَ الزِّيَادَتَيْنِ، وَهُوَ الأجَلُ.
هَذِهِ هِيَ حُجَّةُ آكِلِي الرِّبا وَهُمْ وَاهِمُونَ فِيمَا قَالُوهُ، وَقِيَاسُهُمْ فَاسِدٌ، لأنَّ البَيْعَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي حِلَّهُ لأَنَّهُ يُلاحَظُ فِيهِ انْتِفاعُ المُشْتَرِي بِالشَّيْءِ انْتِفَاعاً حَقِيقيّاً.