وَسَيَكُونُ هَؤُلاَءِ الكِرَامُ مُخَلَّدِينَ فِي الجَنَّةِ أَبَداً وَهَذا جَزَاءٌ لَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِم الصَّالِحَةِ، وَاللهُ تَعَالَى عِنْدَهُ الأَجْرُ العَظِيمُ لِمَنْ آمَنَ وَجَاهَدَ، وَقَامَ بِمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِ الإِسْلاَمُ.
واعلم يا عبد الله أن الجنة لا تنال بالعمل .. وإنما هي فضل من الله ورحمة، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لن يُدخِل أحداً عملُه الجنة). قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (لا، ولا أنا، إلا أن يتغمَّدني الله بفضلٍ ورحمة، فسدِّدوا وقاربوا، ولا يتمنينَّ أحدكم الموت: إما محسناً فلعله أن يزداد خيراً، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب.
وأما قول الله جل وعلا: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [السجدة 17] فإن الباء في قوله (بما كانوا يعملون) سببية. أي بسبب أعمالهم فالله سبحانه جعل أعمالهم سبباً لفضله ورحمته حيث أدخلهم جنته.
فإذا عرفت ـ أخي الكريم ـ أن الجنة هي محض فضل الله ورحمته, وان رحمته وفضله إنما ينالان بفعل ما يرضاه ويريده فبادر إلى خير الأعمال وصالح الأفعال. واحفظ الله, واسلك سبيله القويم يفض عليك من الرحمات ما يدخلك به أعالي الجنات في تلك الغرفات.
فاسلك سبيل المتقين ... وظن خيراً بالكريم
واذكر وقوفك خائفاً ... والناس في أمر عظيم
إما إلى دار الشقاوة ... أو إلى العز المقيم
فاغنم حياتك واجتهد ... وتب إلى الرب الرحيم
(وأما طريق الجنة: فهو كل ما يقربك من الله سبحانه من القربات والطاعات فقد ذكر الله جل وعلا طاعات وعبادات في كتابه العزيز جازى عليها بالجنة من عمل بها مخلصاً فمن ذلك ما يلي:
(1) الإيمان والعمل الصالح:
فقد ذكر الله سبحانه في سورة العصر أن الإنسان خاسر إلا من أمن وعمل صالحاً فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ) [العصر1: 3]