وَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يُطْعِمُونَ الفُقَرَاءَ وَالمَسَاكِينَ والأَيْتَامَ وَالأَسْرَى، لأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ ثَوَابَ اللهِ وَرِضْوَانَهُ وَحْدَهُ، لاَ يَطْمَعُونَ فِي جَزَاءٍ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ عَلَى إِنْفَاقِهِمْ، وَلاَ فِي شُكْرٍ مِنَ المُنْفَقِ عَلَيْهِ.
وَإِنَّنَا إِنَّمَا نَفْعَلُ ذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَرْحَمَنَا رَبُّنَا فِي يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ يَوْمٌ طَوِيلٌ عَصِيبٌ، تَعْبِسُ فِيهِ الوُجُوهُ وَتَكْلَحُ مِنْ شِدَّةِ أَهْوَالِهِ.
فَآمَنَهُمْ اللهُ شَرَّ مَا خَافُوهُ، وَأَعْطَاهُمْ أَمناً تَكُونُ لَهُ وُجُوهُهُمْ نَضِرَةً، وَسُرُوراً تُسَرُّ بِهِ قُلُوبُهُمْ، وَالقَلْبُ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ الوَجْهُ.
وَجَزَاهُمُ اللهُ بِصَبْرِهِمْ عَلَى الإِيْثَارِ، وَمَا يُؤَدِّي إِلَيهِ مِنَ الجُوعِ وَالعُرْيِ، جَنَّةً لَهُمْ فِيهَا مَنْزِلٌ رَحْبٌ، وَعَيْشٌ رَغْدٌ، وَلِبَاسٌ مِنْ حَرِيرٍ.
وَيَجْلِسُونَ فِي الجَنَّةِ عَلَى السَّرَائِرِ والأَرَائِكِ، وَهُمْ مُتَّكِئُونَ فِي وَضْعِ مَنْ هُوَ مُنَعَّمٌ، لاَ يُقَاسُونَ حَرّاً مُزْعِجاً، وَلاَ بَرْداً مُؤْلِماً.
وَتَدْنُو أَشْجَارُ الجَنَّةِ بِظِلالِهَا عَلَى هَؤُلاَءِ الأَبْرَارِ السُّعَدَاءِ، وَتُسَخِّرُ قُطُوفَهَا لأَمْرِهِمْ لِيَنَالُوا مِنْهَا مَا شَاؤُوا.
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ خَدَمُ الجَنَّةِ بِأَوَانِي الطَّعَامِ، وَهِيَ مِنْ فِضَّةٍ خَالِصَةٍ، وَبِأَكْوَابِ الشَّرَابِ، وَهِيَ أَيْضاً مِنْ فِضَّةٍ، وَقَدْ جُعِلَتْ هَذِهِ الأَكْوَابُ جَامِعَةً بَيَاضَ الفِضَّةِ، وَصَفَاءَ الزُّجَاجِ وَشَفَافِيَّتَهُ.
وَهذِهِ القَوَارِيرُ يَحْمِلُهَا إِلَيهِم السُّعَاةُ وَقَدْ قَدَّرُوا مَا صَبُّوهُ فِيهَا عَلَى قَدَرِ كِفَايَةِ الشَّارِبِينَ وَرَيهِّمْ، لاَ تَزِيدُ وَلاَ تَنْقُصُ.
وَيُسْقَى هُؤَلاَءِ الأَبْرَارُ فِي الجَنَّةِ كَأْساً مِنْ خَمْرِ الجَنَّةِ مُزِجَتْ بِالزَّنْجِبِيلِ (فَهُمْ يُمْزَجُ الشَّرَابُ لَهُمْ مَرَّةً بِالكَافُورِ وَمَرَّةً بِالزَّنْجَبِيلِ فَالكَافُورُ بَارِدٌ وَالزَّنْجَبِيلُ حَارٌّ).
وَيُسْقَونَ فِي الجَنَّةِ مِنْ عَيْنٍ غَايَةٍ فِي السَّلاَسَةِ وَالاسْتِسَاغَةِ.