كانت السورة تَنْزِلُ فيتعلَّمون حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها. (كما في: بيان مشكل الآثار للطحاوي 4/ 44 عن ابن عمر رضي الله عنهما.) حتَّى لقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه تعلَّم سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة. (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/ 76، ط: دار الكتاب العربي بيروت).
يقول ابن مسعود ((إنما العلم خشية الله)).
لقد أكثروا من عبادة ربهم العبادة المشروعة فقد كان يسمع لهم في الليل دوي كدوي النحل من قراءة القرآن والتهجد به، لقد كانوا يبكون من خشية الله ولهم في ذلك القصص، وكذلك من بعدهم.
وصنف العلماء في الرقائق كتبا مستقلة واعتنوا بها، بل إنك لا تكاد تجد كتابا صنف في الحديث إلا وأفرد للرقائق والزهد كتابا أو بابا.
وكانوا يعدون خشية الله ورقة القلب هي العلم الحقيقي وأن العلم الحقيقي هو ما يورث الخشية ورقة القلب. يقول الحسن: إن كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وبصره ولسانه ويده وزهده.
مما يجب التنبيه عليه أنه لابد من التوازن بين علم الرقائق وغيره من أبواب العلم، وأن لا نتجاوز به حد الاعتدال الذي شرعه الله عز وجل، وكان هديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المثل الأعلى في ذلك ولا يجوز لأحد من أمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يزيد عليه أو أن يظن أنه أكمل عبادة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث أنس الثابت في الصحيحين) جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيوت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسألون عن عبادة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما أخبروا كأنهم تقاُّلوها وقالوا: أين نحن من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أما أنا أصلي الليل أبداً، وقال آخر: وأنا أصوم الدهر أبداً، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.