روي أنه أنزل جملةًً واحدةً في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا. وأملاه جبريل على السفرة، ثم كان ينزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجومًا في ثلاٍث وعشرين سنة. وعن الشعبي: المعنى إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. واختلفوا في وقتها؛ فأكثرهم على أنها في شهر رمضان في العشر الأواخر في أوتارها، وأكثر القول أنها السابعة منها؛ ولعل الداعي إلى إخفائها أن يحيى من يريدها الليالي الكثيرة طلبًا لموافقتها، فتكثر عبادته ويتضاعف ثوابه، وأن لا يتكل الناس عند إظهارها على إصابة الفضل فيها فيفرطوا في غيرها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وشرف، فيلزم شرفه وخطره بالطريق الأولى، ثم ترقى في الرفع من مقدارها بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، ثم إلى أعلى بقوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، ثم إلى أعلى بقوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا}.

قوله: (روي أنه أُنزل جملة واحدة)، فإن قلت: ذكرت في شرح الخطبة أن الإنزال عبارة عن تحريك الشيء من الأعلى إلى الأسفل، وهو مختص بالأجرام فلا يتحقق في الكلام، فوصف بصفة حامله لالتباسه به. وهذا المجاز إنما يستقيم في إنزاله جبريل عليه السلام القرآن على النبي? ، فكيف يستقيم إنزاله من اللوح إلى السماء، لأن ذلك من غير واسطة؟ قلت: الإنزال حينئذ مستعار للمعاني من الأجرام؛ شُبِّه نقل القرآن من اللوح إلى السماء وثبوته فيها، بنزول جسم من عُلو إلى أسفل، وقيل: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. وعلى هذا، ظهوره في عالم الشهادة، أعني اللوح، من عالم الغيب الذي هو العالم الأعلى، يمكن أن يفسر بالنزول؛ فعلى الأول هو مجاز مرسل، وعلى الثاني مجاز مسبوق بالتشبيه.

قوله: (على أنها في شهر رمضان)، روينا عن مسلم والترمذي وأبي داود، عن زر بن حُبيش، قال: سمعت أُبي بن كعب يقول، وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: "من قام السنة أصاب ليلة القدر". فقال أُبي: "والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان، يحلف ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015