قلت: لم يذهب إلى ذلك، ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة على العمل، وكان التشاغل بشيءٍ من العلم لا يعمل به تكلفاً عندهم؛ فأراد أنّ الآية مسوقةٌ في الامتنان على الإنسان بمطعمه واستدعاء شكره، وقد علم من فحوى الآية أنّ الأب بعض ما أنبته الله للإنسان متاعاً له أو لإنعامه؛ فعليك بما هو أهم من النهوض بالشكر لله على ما تبين لك ولم يشكل مما عدّد من نعمه، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأب ومعرفة النبات الخاص الذي هو اسمٌ له، واكتف بالمعرفة الجملية إلى أن يتبين لك في غير هذا الوقت، ثم وصى الناس بأن يجروا على هذا السنن فيما أشبه ذلك من مشكلات القرآن.

[(فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ * مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَانٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ * تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) 32 - 41].

يقال: صخّ لحديثه، مثل: أصاخ له، فوصفت النفخة بالصاخة مجازاً؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (فوصفت النفخة بالصاخة مجازاً)، الراغب: "الصاخة: شدة صوت ذي النطق، يقال: صخ يصخ فهو صاخ، قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ}: عبارة عن القيامة"، وقال الزجاج: "الصاخة هي الصخة التي تكون عندها القيامة، تصخ الأسماع، أي: تصمها فلا تسمع إلا ما تدعي به أحيائها. ثم فسر في أي وقت تجيء فقال: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ}، ثم وصف أحوال المؤمنين والكافرين بقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} الآية". وقال أبو البقاء: {فَإِذَا جَاءَتِ}: العامل فيها جوابها، وهو معنى قوله: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ}، وقال المصنف في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015