ويجوز أن يريد بالعاكفين الواقفين، بمعنى: القائمين في الصلاة، كما قال: (لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج: 26]، والمعنى: للطائفين والمصلين؛ لأن القيام والركوع والسجود هيآت المصلي.
[(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) 126].
أي: اجعل هذا البلد، أو هذا المكان (بَلَداً آمِناً): ذا أمن، كقوله: (عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) [الحاقة: 21]، أو: آمناً من فيه، كقولك: ليل نائم. و (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) بدل من (أَهْلَهُ)، يعني: وارزق المؤمنين من أهله خاصة، (وَمَنْ كَفَرَ) عطف على (مَنْ آمَنَ)، كما عطف (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على الكاف في (جَاعِلُكَ) [البقرة: 124]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (كما قال: (لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ)) أي: وضع في سورة "الحج" مكان العاكفين: القائمين، فيجعل ها هنا "العاكفين" بمعنى القائمين حتى يتطابقا، والمعنى على هذا: للطائفين والمصلين، فجعل جملة القيام والركوع والسجود مجازاً عن الصلاة. وعلى الوجه الأول يقدر للطائفين والعاكفين والمصلين؛ لأن العكوف بمعنى المجاورة لا يجعل مجازاً عن الصلاة لفقدان العلاقة المعتبرة، بخلاف القيام.
قوله: (أو آمناً من فيه) أي: هو من باب الإسناد المجازي.
قوله: (وارزق المؤمنين) بضم القاف في نسخة المعزي، للإتباع.
قوله: (كما عطف (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على الكاف) يعني هو مثله في الاعتبار، وقد سمي بعطف التلقين، ذكر في الحواشي: إنما قلنا ها هنا: هو عطف التلقين، وفيما سبق: كأنه عطف التلقين، رعاية للأدب، وذلك أن يكون الملقن هو الله تعالى لإبراهيم عليه السلام أولى من العكس.