وهمّ أن يغزوهم، فبلغ القوم فوردوا وقالوا: نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فاتهمهم، فقال: «لتنتهنّ أو لأبعثنّ إليكم رجلًا هو عندي كنفسي، يقاتل مقاتلتكم، ويسبى ذراريكم»، ثم ضرب بيده على كتف علي رضي الله عنه. وقيل: بعث إليهم خالد بن الوليد، فوجدهم منادين بالصلوات متهجدين، فسلموا إليه الصدقات، فرجع.

وفي تنكير "الفاسق" و"النبأ": شياع في الفساق والأنباء، كأنه قال: أي فاسق جاءكم بأيّ نبإ، فتوقفوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة، ولا تعتمدوا قول الفاسق، لأنّ من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه.

والفسوق: الخروج من الشيء والانسلاخ منه، يقال: فسقت الرطبة عن قشرها، ومن مقلوبه: فقست البيضة: إذا كسرتها وأخرجت ما فيها، ومن مقلوبه أيضًا: قفست الشيء: إذا أخرجته عن يد مالكه مغتصبًا له عليه، ثم استعمل في الخروج عن القصد والانسلاخ من الحق، قال رؤبة:

فواسقًا عن قصدها جوائرا

وقرأ ابن مسعود: "فتثبتوا"، والتثبت والتبين: متقاربان، وهما طلب الثبات والبيان والتعرّف.

ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه بالمنزلة التي لا يجسر أحد أن يخبرهم بكذب، وما كان يقع مثل ما فرط من الوليد إلا في الندرة؛ قيل: {إِن جَاءَكُمْ} بحرف الشك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استقبل الحارث البعث قرب المدينة، وقال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة، وأردت قتله، فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله أيضًا، قال: لا، والذي بعثك بالحق، ما رأيته، وما أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية".

قوله: (قيل: {إن جَاءَكُمْ} بحرف الشك): جواب "لما"، وقوله: "وما كان يقع" إلى آخره: اعتراض.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015