ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن لا يوصف بالصدق، أو يوصف تارة بالصدق وتارة الكذب، على نظرين مختلفين، كقوله كافر غير معتقد: "محمد رسول الله"، فصدقه لكون المخبر عنه كذلك، وكذبه لمخالفة الضمير.
وقد يستعملان في كل ما يحق ويحصل في الاعتقاد، نحو: صدق ظني وكذب، ويستعملان في فعل الجوارح، نحو: صدق في القتال_ إذا وفي حقه وفعل ما يجب_ وكذب في القتال، قال تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]، أي: حققوا العهد.
وقوله تعالى: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8]: أي: يسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله؛ تنبيها أنه لا يكفي الاعتراف بالحق دون تحريه بالفعل، وقوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا}: هذا صدق بالفعل، وهو التحقيق، أي: حقق رؤيته، وعليه قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33]: أي: حقق ما أورده قولًا بما تحراه فعلًا.
ويعتبر عن كل فعل فاضل ظاهرًا باظنًا بالصدق، فيضاف إليه ذلك الفعل، كقوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55]، وعلى هذا: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2]، وقوله: {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80]، {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ} [الشعراء: 84]، فإن ذلك سؤال أن يجعله الله صالحًا، بحيث إذا أثنى عليه من بعده، لم يكن ذلك الثناء كذبًا، كما قال:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح .... فانت كما نثني وفوق الذي نثني".