ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبر الله تعالى بهذين اللفظين عن جميع نعم أهل الجنة، فإنه ما من نعمة إلا وهي تصيب النفس أو العين".

وقد أجاد صاحب "التيسير" حيث قال: قوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ}: دل على الأطعمة، وقوله: {وأَكْوَابٍ} على الأشربة، وقوله: {وفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وتَلَذُّ الأَعْيُنُ} على أن في الجنة وراءهما من أصناف النعم شيئًا آخر.

وقلت: وعلى هذا: لا يبعد أن يحمل قوله: {وفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ} على المنكح والملبس وما يتصل بهما؛ لتتكامل جميع المشتهيات النفسانية، فبقيت اللذة الكبرى، وهي النظر إلى وجه الله الكريم، فيكنى عنه بقوله: {وتَلَذُّ الأَعْيُنُ}، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حبب إلى الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة"، رواه النسائي عن أنس. وقال قيس بن الملوح:

ولقد هممت بقتلها من حبها .... كي ما تكون خصيمتي في المحشر

حتى يطول على الصراط وقوفنا .... وتلذ عيني من لذيذ المنظر

ثم وافق هذا التأويل كلام جعفر الصادق رضي الله عنه: "شتان بين ما تشتهي الأنفس، وبين ما تلذ الأعين"، لأن جميع ما في الجنة من النعيم والشهوات في جنب ما تلذ الأعين: كإصبع يغمس في البحر، لأن شهوات الجنة لها حد ونهاية، لأنها مخلوقة، ولا تلذ الأعين في الدار الباقية، إلا بالنظر إلى الباقي جل وعز، ولا حد لذلك ولا صفة ولا نهاية في الحقائق.

وقال القاضي في قوله: {وأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ما معناه: "أن كل نعيم زائل موجب لكلفة الحفظ لخوف الزوال، ومستعقب للتحسر في ثاني الحال، وقد أمن ذلك نعيم الجنة".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015