{مِمَّا كَسَبُوا} من السيئات، {وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ} يريد: ووباله واقع بهم، وواصل إليهم لا بدّ لهم منه، أشفقوا أو لم يشفقوا. كأن روضة جنة المؤمن أطيب بقعة فيها، وأنزهها. {عِنْدَ رَبِّهِمْ} منصوب بالظرف، لا بـ {يَشَاءُونَ}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قلت: إذا كان معنى الخوف: غم يلحق الإنسان لتوقع مكروه، فكيف الجمع بينه وبين قوله: {وهُوَ واقِعٌ بِهِمْ}؟ قلت: قوله تعالى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ} استحضار لصورة حال الظالمين في مشاهدة السامع؛ لينظر إلى تلك الحالة العجيبة الشأن، وهو أنهم خائفون مشفقون يحاولون الحذر حين لا ينفهم الحذر، لأن الخائف إذا استشعر بما يتوقع منه المكروه، وأخذ في الدفع؛ ربما تخلص منه، ومن ترك الحذر حتى إذا ألم به المحذور زاول الدفع؛ كان مظنة للتعجب منه والتعجيب، وإليه ينظر قول الشاعر:

أتت وحياض الموت بيني وبينها .... وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل

وهو المراد بقوله: "لابد لهم منه، أشفقوا أو لم يشفقوا".

قوله: (كأن روضة جنة المؤمن أطيب بقعة فيها): لأن الإضافة تنبئ عن امتياز الروضة عن الجنة، ثم تعقيبها بقوله: {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ}، وإردافها بقوله: {ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ} يشعر بمزيد ذلك الامتياز.

قوله: ({عِندَ رَبِّهِمْ} منصوب بالظرف لا بـ {يَشَاءُونَ}): عن بعضهم؛ لأن المعنى: على أن ما يزيدونه على سبيل العموم مطلقًا كائنًا ما كان حاصل لهم عند ربهم، أي: حاصل لهم من الله، ولو نصب بـ {يَشَاءُونَ} تصير مشيئتهم مقيدة بـ {عِندَ رَبِّهِمْ}، فلا يبقى العموم فيما يريدون، ويحتمل حصول ذلك عند غير ربهم، وهو عكس المعنى.

وقلت: لا ريب أن أهل السعادة صنفان: المقربون وأصحاب اليمين، فإذا أريد بأولئك أصحاب اليمين كان على ما قيل، وأما إذا أريد به المقربون فلا، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54 - 55].

?

طور بواسطة نورين ميديا © 2015