فإن قلت: فما معنى قوله {يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ} بعد توصل برّه إلى جميعهم؟ قلت: كلهم مبرورون، لا يخلو أحد من برّه، إلا أنّ البرّ أصناف،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أريته مودة ورفقًا"، وقوله: "بليغ البر": فمن بناء "فعيل"، وقوله: "توصل بره إلى جميعهم": فمن إضافة "العباد" -وهو جمع- إلى ضمير "الله"، فيفيد الشمول والاستغراق، وقوله: "وتوصل من كل واحد منهم إلى حيث لا يبلغه وهم أحد": فمأخوذ من معنى الدقة في اللطف، الأساس: "شيء لطيف، وكلام لطيف، وفلان لطيف لاستنباط المعاني، وتلطف بفلان: احتلت له حتى اطلعت على أسراره".

والقول الجامع فيه: ما ذكره حجة الإسلام في "شرح أسماء الله الحسنى": "إنما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق المصالح وغوامضها، وما دق منها وما لطف، ثم يسلك في إيصالها إلى المستصلح على سبيل الرفق دون العنف، فإذا اجتمع الرفق في الفعل، واللطف في الإدراك، تم معنى "اللطيف"، ولا يتصور كمال ذلك إلا في عز وجل".

وقال الإمام: "الله لطيف البر، يظهر آثار بره في عباده من حيث لا يعلمون، ويمضي مصالحهم بإحسانه من حيث لا يحتسبون".

فمعنى قول المصنف: "توصل من كل واحد": توصل بره مبتدئًا من كل واحد منهم إلى حيث لا يبلغه وهم أحد، وقوله: "من كلياته وجزئياته": حال من المستتر في "توصل".

الجوهري: "توصل إليه: أي: تلطف في الوصول إليه".

قوله: (ما معنى قوله: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ}؟ ): يعني: دل قوله: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} أن بره توصل إلى جميع العباد، وقوله: {يَرْزُقُ} حكم ترتب على ذلك الوصف، فينبغي الشمول أيضًا، وقوله: {مَنْ يَشَاءُ} ينافيه.

?

طور بواسطة نورين ميديا © 2015