[{لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 57]
فإن قلت: كيف اتصل قوله: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ} بما قبله؟ قلت: إن مجادلتهم في آيات الله كانت مشتملة على إنكار البعث، وهو أصل المجادلة ومدارها، فحجوا بخلق السماوات والأرض؛ لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقها، وبأنها خلق عظيم لا يقادر قدره، وخلق الناس بالقياس إليه شيء قليل مهين، فمن قدر على خلق الإنسان_ مع مهانته_ أقدر، وهو أبلغ من الاستشهاد بخلق مثله، {لا يَعْلَمُونَ}؛ لأنهم لا ينظرون ولا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم واتباعهم أهواءهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (إن مجادلتهم في آيات الله كانت مشتملة على إتكار البعث)، هذا مناسب للوجه الثالث من تفسير الكبر، وهو قوله: " أو إرادة دفع الآيات بالجدال". المعنى: إن الذين يجادلون في الآيات الدالة على إثبات الحشر والنشر والبعث لم تكن تلك المجادلة منهم من حجة وبرهان، لكن مما في قلوبهم من الكبر واستبعاد قدرة الله، فقل لهم: من قدر على خلق السماوات والأرض مع عظمتهما كان على خلق أمثالكم في المهانة أقدر، وهو كقولهم تكبراُ وعنادًا واستكبارًا: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] وقوله: {قُلْ يُحْيِيهَا} [يس: 79] إلى قوله: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: 81] أي: مثلهم في الصغر والقماءة بالإضافة إلى السماوات والأرض، وينصر هذا التأويل قوله: {ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي: لا يعلمون ما في البعث من الحكمة؛ لأنه لا بد من جزاء المحسن والمسيء، ولا يتم ذلك إلا بمجيء الساعة {إنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا}.
وقال القاضي: {ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}: لا ينظرون ولا يتأملون لفرط غفلتهم واتباعهم أهواءهم، وما يستوي العاقل والمتبصر، وينبغي أن يكون لهم حال يظهر فيها التفاوت، وهي فيما بعد البعث.