سخط الله ويجلب الشقاوة في العاقبة، وثنى بتعظيم الآخرة والاطلاع على حقيقتها، وأنها هي الوطن والمستقر، وذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما؛ ليثبط عما يتلف، وينشط لما يزلف، ثم وازن بين الدعوتين: دعوته إلى دين الله الذي ثمرته النجاة، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار، وحذر، وأنذر، واجتهد في ذلك واحتشد، لا جرم أن الله استثناه من آل فرعون، وجعله حجة عليهم وعبرة للمعتبرين، وهو قوله: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذَابِ} [غافر: 45]. وفي هذا أيضًا دليل بين على أن الرجل كان من آل فرعون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (أن الله استثناه من آل فرعون)، أي: اختاره منهم وجعله داعيًا إلى الله ونجاه مما حل بهم من سوء العذاب، وذلك قوله: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا}

المغرب: يقال: ثنى العود، إذا حناه وعطفه؛ لأنه ضم أحد طرفيه إلى الآخر، ثم قيل: ثناه عن وجهه، إذا كفه وصرفه؛ لأنه مسبب عنه. ومنه: استثنيت الشيء، زويته لنفسي. والاسم: الثنيا بوزن الدنيا، ومنه الحديث: "من استثنى فله ثنياه"، أي: ما استثناه. والاستثناء في الاصطلاح: إخراج الشيء مما دخل فيه غيره؛ لأنه فيه كفًا وردا عن الدخول، والاستثناء في اليمين أن يقول الحالف: إن شاء الله؛ لأن فيه رد ما قاله بمشيئة الله تعالىً.

قوله: (في هذا أيضًا دليل بين على أن الرجل كان من آل فرعون)، إشارة إلى ما سبق له في تفسير قوله تعالى: {وقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} وهو قوله: "وقول المؤمن: {فَمَن يَنصُرُنَا مِنْ بَاسِ اللَّهِ إن جَاءَنَا} دليل ظاهر على أنه يتنصح قومه"، يعني: كما كان في تلك الآية دلالة ظاهرة على أن المؤمن من آل فرعون، كذلك في هذه الآية؛ لإضافة القوم إلى نفسه مرتين. وقوله: "اتبعوني" ولم يقل: اتبعوا موسى، وسلوك طريقة الإجمال والتفصيل، والمبالغة في التحذير والإنذار؛ لأن مثل هذه النصيحة وإمحاضها قلما يصدر من الأجانب، كما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015