قرئ: بفتح النون وكسرها وضمها. {إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} يعني بشرط التوبة، وقد تكرر ذكر هذا الشرط في القرآن، فكان ذكره فيما ذكر فيه ذكرًا له فيما لم يذكر فيه؛ لأن القرآن في حكم كلام واحد، ولا يجوز فيه التناقص. وفي قراءة ابن عباس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لأن القرآن في حكم كلام واحد، ولا يجوز فيه التناقض)، يعني: يحمل هذا المطلق على ذلك المقيد ليتفقا. قال صاحب "الفرائد": ما ذكر من التناقض غير لازم؛ لأن من ذكر المغفرة بعد التوبة لا يلزم عدم حصول المغفرة بدونها، وما ذكر من الدلالة على أنها شرط فيها لازم لا يحصل بدونه ممنوع؛ لأن غاية ما يفهم من قوله: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} وجوب الإنابة، وقوله: "وإنما ذكر الإنابة على أثر المغفرة"؛ لأن الآخر يشعر بأن ذكر الشيء بعد الشيء يوجب توقف الأول على الثاني، وهو ظاهر البطلان.
وقلت: مراد المصنف من قوله: "قد تكرر ذكر هذا الشرط في القرآن": أنه كل موضع ذكر فيه نحو قوله: {يَغْفِرُ الذُّنُوبَ} قيده بقوله: {لِمَنْ يَشَاءُ}، وهو قيد للتوبة، يدل عليه استشهاده بقراءة ابن عباس: "يغفر الذنوب جميعًا لمن يشاء"، ومن ذلك في "آل عمران" قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] تفسير بين لـ"من يشاء"، وأنهم المتوب عليهم أو الظالمون، وقوله في النساء: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] قال: كأنه قيل: "إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك، ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك"، على أن المراد بالأول: من لم يتب، وبالثاني: من تاب، ونحوهما. وقد بينا وجه ضعف كل ما ذكر.
وأما الذي يقول هاهنا في قوله: "وإنما ذكر الإنابة على أثر المغفرة للدلالة على أنه شرط فيها"، فإنه حزم للنظم المعجز؛ لأنه تعالى لما وبخ المشركين وأطنب الكلام فيه وأرعد وأبرق، عقبه بخطاب العام بقوله: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ} استعطافًا وترغيبًا غب ترهيب، والمراد بالإسراف: جمع ما ينطوي تحت هذا الاسم من التفريط الصادر من الكافرين والمؤمنين، والمقصود الأولي: الكافرون وما كانوا عليه من أمور الجاهلية.
يؤيده قوله: "وقيل: قال أهل مكة" إلى آخره، وكان قوله: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا} عطفًا على قوله: {لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}، واعترض بين المعطوف والمعطوف