. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ونحوه قولك: قعدت بينك وبين زيد، والبين واحد بالنسبة إليك، والنسبة إليها متعذر، وعن بعضهم: التقدير: بينه؛ أي: بين السبب، وهو قوله: {وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ}، وبينه؛ أي: بين المسبب، وهو قوله: {فَإِذَا مَسَّ}، وقوله: "بينه" متعلق بقوله: "اعتراض" فالهاء في بينه وبينه راجع إلى السبب والمسبب.

وقلت: أما تلخيص التسبب، وكأنهم لشدة عنادهم وإبائهم عن الحق المحض جعلوا اشمئزازهم عن ذكر الله وحده واستبشارهم بذكر الغير غرضًا في أن إذا مسهم ضر دعوا الله دون الغير، على منوال {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8]، فحكى الله تعالى عنهم ذلك إنكارًا وتعجيبًا. ثم أمر حبيبه صلوات الله عليه بقوله: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ} أن يشنع عليهم ذلك على سبيل التضرع، ويظهر بأنه لا يجدي فيهم إنذاره واجتهاده، ويقول: لا يحكم بيني وبين هؤلاء الذين يجترئون عليك هذه الجرأة إلا أنت، وجعل هذا الدعاء معترضًا بين الكلامين؛ اهتمامًا به وتوكيدًا للوعيد، ثم إن جعل {لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} عامًا كانت الآية اعتراضًا بعد اعتراض، وإذا جعل من إقامة المظهر موضع المظهر موضع المضمر إشعارًا بالعلية كان استطرادًا بعد اعتراض.

وأما تلخيص العطف فإنه تعالى أخبر عن وعيده للمشركين، وأنه غني عنهم بسبب كفرانهم، ثم أخبر عن حال مطلق الإنسان، وأن جبلته على أنه إذا مسه الضر رجع إلى الله، وإذا مسه الخير أظهر البطر والأشر، وعطفه عليه لجامع الكفران وقلة الثبات. وإليه الإشارة بقوله: "وما هي إلا جملة ناسبت جملة قبلها فعطفت عليها"، ويجوز أن تكون الواو استئنافية والجملة تذييلية، وتخصيص ذكر الإنسان في الآية الأخيرة من إقامة المظهر موضع المضمر للتلويح إلى قوله تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17]. ما ألطف هذا التقرير، ولهذا قال تعريضًا بنفسه: "وهذه الأسرار والنكت لا يبرزها إلا علم النظم- أي: العالم بالنظم- وإلا بقيت محتجبة في أكمامها"، لله دره.

قال صاحب "الانتصاف": هذا كلام فافهمه فإنه عزيز، وقيل: يمكن أن يقال: المعنى المفهوم من المجموع، وهما الدعاء عند الضر، وترك الدعاء عند تحويل النعمة، هو المسبب،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015