الأوثان وتخبيلها، فأمر بأن يقرّرهم أوّلًا بأنّ خالق العالم هو الله وحده. ثم يقول لهم بعد التقرير: فإذا أرادنى خالق العالم الذي أقررتم به بضرّ من مرض أو فقر أو غير ذلك من النوازل، أو برحمة من صحة أو غنى أو نحوهما، هل هؤلاء اللاتي خوّفتمونى إياهن كاشفات عنى ضره أو ممسكات رحمته، حتى إذا ألقمهم الحجر وقطعهم حتى لا يحيروا ببنت شفة قال: {حَسْبِيَ اللَّهُ} كافيًا لمعرّة أوثانكم {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}، وفيه تهكم. ويروى: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سألهم فسكتوا، فنزل: {قُلْ حَسْبِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن أرادنا الله بضر، أو إن أرادنا الله برحمته، والحال أن الكلام بعد تقرير أن خالق العالم الله؟ وأجاب: ان التقرير لم يكن إلا لأمر نفسه؛ لأنهم خوفوه معرة الأوثان، بدليل قوله: {ويُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ} فأوجب ذلك أن تقدم لهم مسألة التقرير، ثم ينبني عليها الجواب ليكون أثبت للحجة وألزم لها.
قوله: (لا يحيروا ببنت شفة)، الجوهري: المحاورة: المجاوبة والتجاوب، ويقال: كلمته فما أحار إلي جوابًا، وما كلمته ببنت شفة؛ أي: بكلمة.
قوله: (وفيه تهكم)، لأنه لا معرة للأوثان، فكيف يقول: {حَسْبِيَ اللَّهُ} كافيًا لمعرة أوثانكم، ثم يردفه بقوله: {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}.
قوله: (ويروى: أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم فسكتوا)، يجوز أن يكون بيانًا لما سبق، وأن يكون وجهًا آخر. وعلى الثاني: "قل" مستقل، والمعنى عام، وليس فيه تهكم، وهو أنبل وأفحم؛ لأنه صلوات الله عليه لما بكتهم أولًا بقوله: {مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ}، بدليل قوله: {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}، وألقمهم الحجر ثانيًا بقوله: {هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ} {هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ}، ولم يحيروا ببنت شفة، أي: لنهم عند أنفسهم إذا كان حزبهم أمر دعوا الله مخلصين له الدين دون أصنامهم، كما قال صاحب "المفتاح": كانت حالهم المستمرة أن يكونوا عن دعوتهم صامتين ابتدأ بقوله: {حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}، أي: إذا كان لا خالق للعالم إلا الله، ولا ضار ولا نافع إلا هو، قل: هو حسبي وعليه توكلي.