فكأنه قيل: تقشعر جلودهم من آيات الوعيد، وتخشى قلوبهم في أوّل وهلة، فإذا ذكروا الله ومبنى أمره على الرأفة والمرحمة: استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم، وبالقشعريرة لينا في جلودهم {ذلِكَ} إشارة إلى الكتاب، وهو {هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ}: يوفق به من يشاء، يعنى: عباده المتقين، حتى يخشوا تلك الخشية ويرجوا ذلك الرجاء، كما قال: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2). {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ}: ومن يخذله من الفساق والفجرة {فَما لَهُ مِنْ هادٍ}، أو ذلك الكائن من الخشية والرجاء هدى الله، أي: أثر هداه، وهو لطفه، فسماه هدى لأنه حاصل بالهدى، {يَهْدِي بِهِ} بهذا الأثر {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، يعنى: من صحب أولئك ورآهم خاشين راجين، فكان ذلك مرغبًا لهم في الاقتداء بسيرتهم وسلوك طريقتهم. {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ}: ومن لم يؤثر فيه ألطافه لقسوة قلبه وإصراره على فجوره، {فَما لَهُ مِنْ هادٍ} من مؤثر فيه بشيء قط.

[{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ * كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} 24 - 26].

يقال: اتقاه بدرقته: استقبله بها فوقى بها نفسه إياه واتقاه بيده. وتقديره:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القرب ثم يفيض نوره المستفيض على الغير، كما قال تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يِشَاءُ}، وكشف عن القناع حيث أشار من صحب أولئك ورآهم خاشين راجين، فكان ذلك مرغبًا لهم في الاقتداء بسيرتهم وسوك طريقتهم، رزقنا الله الاقتداء بهم بفضله وجوده.

قوله: (أو ذلك الكائن من الخشية والرجاء)، عطف على قوله: "ذلك إشارة إلى الكتاب"، وعلى الأول: المراد بذكر الله القرآن في نفسه، قد أقيم مقام المضمر من غير لفظه السابق؛ تعظيمًا للحال وتحقيقًا لما قال.

قوله: (بدرقته)، أي: بترسه، يقال: اتقى بدرقته، أي: استقبل زيدًا بدرقته فوقى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015