أَتَاكَ نَبَأُ الخَصْمِ} ظاهره الاستفهام، ومعناه: الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة التي حقها أن تشيع ولا تخفى على أحد، والتشويق إلى استماعه. والخصم: الخصماء، وهو يقع على الواحد والجمع؛ كالضيف، قال الله تعالى: {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24]؛ لأنه مصدر في أصله، تقول: خصمه خصمًا، كما تقول: ضافه ضيفًا. فإن قلت: هذا جمع، وقوله: {خَصْمَانِ} تثنية، فكيف استقام ذلك؟ قلت: معنى {خَصْمَانِ}: فريقان خصمان، والدليل عليه قراءة من قرأ: (خصمان بغى بعضهم على بعض)، ونحوه قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]. فإن قلت: فما تصنع بقوله: {إنَّ هَذَا أَخِي} [ص: 23]، وهو دليل على اثنين؟ قلت: هذا قول البعض المراد بقوله: {بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ}. فإن قلت: فقد جاء في الرواية: أنه بعث إليه ملكان. قلت: معناه: أن التحاكم كان بين ملكين، ولا يمنع ذلك أن يصحبهما آخرون. فإن قلت: فإذا كان التحاكم بين اثنين كيف سهاهم جميعًا خصمًا في قوله: {نَبَأُ الخَصْمِ} و {خَصْمَانِ}؟ قلت: لما كان صحب كل واحد من المتحاكمين في صورة الخصم صحت التسمية به. فإن قلت: بم انتصب {إَذْ}؟ قلت: لا يخلو: إما أن ينتصب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ظاهره الاستفهام، معناه: الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة)، وذلك أن هذه القصة إن كانت معلومة للسامع فيكون في الاستفهام بعث له وتحريض على إشاعتها وإعلام الناس بها، أي: كأنك ما علمتها حيث تخفيها ولا يؤدي حقها من الإذاعة، وإن لم تكن معلومة كان تأنيبًا على التقاعد عن استعلامها وتشويقًا إلى استماعها.
قوله: (والخصم: الخصماء، وهو يقع على الواحد والجمع)، قال الزجاج: الخصم: مصدر، تقول: خصمته أخصمه خصمًا، فما كان من المصادر وقد وصفت به الأسماء: فتذكيره وتأنيثه وتوحيده وجمعه جائز.