[{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَاتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 149 - 157].
{فَاسْتَفْتِهِمْ} معطوف على مثله في أول السورة، وإن تباعدت بينهما المسافة. أمر رسوله باستفتاء قريش على وجه إنكار البعث أولًا، ثم ساق الكلام موصولًا بعضه ببعض، ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة الضيزى التي قسموها؛ حيث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أمر رسوله صلوات الله عليه باستفتاء قريش عن وجه إنكار البعث، أولا، ثم ساق الكلام موصولًا بعضه ثم أمره باستفتائهم عن وجه القسمة)، يريد أنه تعالى أمر حبيبه صلوات الله عليه أن يستفتي قريشًا في هذه السورة الكريمة مرتين، أولاهما: يستفتيهم في وجه إنكارهم البعث بقوله: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} ثم ساق الكلام في بيان أمر الحشر والنشر وما إليه مآل الفريقين المصدقين له والمكذبين إياه، وأشبع الكلام فيه، ثم علل أن إنكارهم ذلك ما نشأ إلا من التقليد بقوله: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} ولا فائدة في الحرص على إيمانهم، مسليا حبيبه صلوات الله عليه؛ لئلا تذهب نفسه عليهم حسرات، وقرر ذلك بقوله: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} إذ دأب قومك معك كدأب سائر الأمم السالفة مع أنبيائهم، وبين وخامة عاقبة المكذبين وحسن عواقب المرسلين ومصدقيهم مفصلًا، فبدأ من نوح عليه السلام إلى أن ختم بيونس عليه السلام. ثم شرع في نوع آخر من الاستفتاء وهو الكلام في الإلهيات، وختم السورة بما يتصل بها.
فإن قلت: قد علم وجه اتصال الاستفتاء الأول بفاتحة السورة وأنه من جهة الخالقية وأن المخلوقات السابقة أشد خلقًا من خلق المنكرين للبعث، فما وجه اتصال هذا الاستفتاء بها؟