أتريدون آلهة من دون الله إفكًا؟ ! وإنما قدم المفعول على الفعل للعناية، وقدم المفعول له على المفعول به؛ لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم. ويجوز أن يكون {أَئِفْكًا} مفعولًا، يعني: اتريدون به إفكًا؟ ثم فسر الإفك بقوله" {آلِهَةً دُونَ اللَّهِ} على أنها إفك في نفسها.
ويجوز أن يكون حالًا، بمعنى: أتريدون آلهة من دون الله آفكين؟ {فَمَا ظَنُّكُم} بمن هو الحقيق بالعبادة؛ لأن من كان ربًا للعالمين استحق عليهم أن يعبدوه، حتى تركتم عبادته إلى عبادة الأصنام؟ والمعنى: أنه لا يقدر في وهم ولا ظن ما يصد عن عبادته. أو فما ظنكم به أي شيء هو من الأشياء، حتى جعلتم الأصنام له أندادًا؟ أو: فما ظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم وقد عبدتم غيره؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موسى أحب إلهك بكل قلبك. وقلت: يمكن أن يقال: كان أصل الكلام إذا أخلص لربه، فلما أريد مزيد التصوير وأن لا بد للإخلاص من السلوك وقطع العلائق والعروج من حضيض الأمارية إلى يفاع المطمئنية، قيل: {جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي: من آفاته، لكن في إسناد المجيء إليه شائبة بقاء الوجود، وفي وصفه بـ"السليم" نقاء القلب أيضًا.
وأما قوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] ففيه إشارة إلى الجذبة الحقانية التي لا تبقي من الوجود والصفات شيئًا، وإنما أثبت العبدية ليمكن الإخبار عن ذلك المقام، ولولا إزادة الإخبار لم يذكر ذلك أيضًان والله أعلم.
قوله: ({فَمَا ظَنُّكُم} بمن هو حقيق بالعبادة) إلى آخره، قال القاضي: معنى {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العَالَمِينَ} إنكار ما يوجب ظنًا، فضلًا عن قطعه، فضلًا عن عبادته، أو يجوز الاشتراك به أو يقتضي الأمن من عقابه على طريقة الإلزام.