[{ومَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ} 68]

(ننكسه في الخلق): نقلبه فيه فنخلقه على عكس ما خلقناه قبلًا؛ وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسد، وخلو من عقل وعلم، ثم جعلناه يتزايد وينتقل من حال إلى حال، ويرتقي من درجة إلى درجة، إلى أن يبلغ أشده، ويستكمل قوته، ويعقل ويعلم ما له وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقص، حتى يرجع في حال شبيهة بحال الصبي في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم، كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله. قال عز وجل: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5]، {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 5]، وهذه دلالة على أن من ينقلهم من الشباب إلى الهرم، ومن القوة إلى الضعف، ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز، ومن العلم إلى الجهل بعدما نقلهم خلاف هذا النقل وعكسه قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويفعل بهم ما شاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وهذه دلالة على أن من ينقلهم من الشباب إلى الهرم) إلى قوله: (قادر على أن يطمس [على] أعينهم ويمسخهم) يريد أن قوله {ومَن نُّعَمِّرْهُ} الجملة معطوفة على متعلق علة محذوفة، المعنى: لو نشاء لفعلنا الطمس، ولو نشاء لفعلنا المسخ، لأنا قادرون على كل شيء وعلى قلب الحقائق، ألا ترى كيف نقلب الإنسان في الخلق فتخلقه على عكس ما خلفناه قبلًا، وهذا ليس بأعرب من ذلك، وقوله: {أَفَلا يَعْقِلُونَ} تنبيه على التفكير وتوبيخ لما لو عسى أن ينكر منكر أنه تعالى كيف يختم على الأفواه يوم القيامة لتتكلم الأيدي وتشهد الأرجل، ومثله ما روينا عن البخاري ومسلم عن أنس: أن رجلًا قال: يا رسول الله، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} [الفرقان: 34] أيحشر الكافر على وجهه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015